فيقول أوّلا : بأنّهم قالوا : (يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) التعبير بـ «الرّشد» تعبير واسع وجامع ، ويمكن أن يستوعب كل امتياز ، فهو الطريق المستقيم من دون اعوجاج ، وهو الضياء والوضوح الذي يوصل المتعلقين به إلى محل السعادة والكمال.
وبعد إظهار الإيمان ونفي الشرك بالله تعالى ينتقل كلامهم إلى تبيان صفات الله تعالى : (وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً).
«جد» : لها معان كثيرة في اللغة ، منها : العظمة ، والشدّة ، والجد ، والقسمة ، والنصيب ، وغير ذلك ، وأمّا المعنى الحقيقي لها كما يقول الراغب في المفردات فهو «القطع» ، وتأتي بمعنى «العظمة» إذا كان هناك كائن عظيم منفصل بذاته عن بقية الكائنات ، وكذلك يمكن الأخذ بما يناسب بقية المعاني التابعة لها ، وإذا ما أطلقنا لفظة «الجد» على والدي لأبوين فإنّما يعود ذلك إلى كبر مقامهما أو عمرهما ، وذكر آخرون معاني محدودة لهذه الكلمة فقد فسّروها بالصفات ، والقدرة ، والملك ، والحاكمية ، والنعمة ، والاسم ، وتجتمع كل هذه المعاني في معنى العظمة ، وهناك ادعاء في أنّ المقصود هنا هو الأب الأكبر «الجد» وتشير الرّوايات إلى أنّ الجنّ ولقلّة معرفتهم اختاروا هذا التعبير غير المناسب ، هذا إشارة إلى نهيهم عن ذكر هذه التعابير (١).
ويمكن أن يكون هذا الحديث ناظرا إلى الموارد التي يتداعى فيها هذا المفهوم ، وإلّا فإنّ القرآن يذكر هذا التعبير بلحن الموافق في هذه الآيات ، وإلّا لم وقد ذكر هذا التعبير أيضا في نهج البلاغة ، كما في الخطبة (١٩١): «الحمد لله الفاشي في الخلق حمده ، والغالب جنده ، والمتعالي جدّه».
وورد في بعض الرّوايات أنّ أنس بن مالك قد قال : كان الرجل إذا قرأ سورة
__________________
(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٦٨ ، ونور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤٣٥ ، وذكر هذا المعنى في تفسير علي بن إبراهيم.