أوّلا : المراد هو ما قدم من الأعمال في حياته ، أو الآثار الباقية منه بعد موته ، ممّا ترك بين الناس من السنن الصالحة والسيئة والتي يعملون ويسيرون بها ووصول حسناتها وسيئاتها إليه. أو الكتب والمؤلفات والأبنية القائمة على الخير والشرّ ، والأولاد الصالحين والطالحين التي تصل آثارهم إليه.
والثّاني : يمكن أن يراد به الأعمال الأولى التي أتى بها. والأعمال الأخيرة التي أتى بها في عمره ، وبعبارة أخرى أنّه ينبّأ بجميع أعماله.
والثّالث : أنّ المراد هو ما قدم من ماله لنفسه وما ترك لورثته ، وقيل : ما قدم من الذنوب ، وما أخر من طاعة الله أو بالعكس.
والوجه الأوّل هو الأنسب ، لما ورد عن الإمام الباقر عليهالسلام في تفسير «(ينبّؤ) بما قدم من خير وشرّ ، ما أخر من سنّة ليس بها من بعده فإن كان شرّا كان عليه مثل وزرهم ، ولا ينقص من وزرهم شيئا ، وإن كان خيرا كان له مثل أجورهم ، ولا ينقص من أجورهم شيئا» (١).
ثم يضيف في الآية الأخرى ويقول : إنّ الله وملائكته يطلعون العباد على أعمالهم ، وإن كان لا يحتاج إلى ذلك ، لأنّ نفسه وأعضاءه هم الشهود عليه في ذلك اليوم ، فيقول تعالى : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ، وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ).
سياق هذه الآيات في الحقيقة هو نفس سياق الآيات التي تشير إلى شهادة الأعضاء على أعمال الإنسان ، كالآية (٢٠) من سورة فصلت حيث يقول الله تعالى : (شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).
والآية (٥) من سورة يس : (وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ).
وعلى هذا فإنّ أفضل شاهد على الإنسان في تلك المحكمة الإلهية للقيامة
__________________
(١) تفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٤٠٦ ومثله في تفسير القرطبي ، ج ١٠ ، ص ٦٨٩١.