والحقيقة أنّ كلّ قسم في القرآن هو بنفسه ـ وإن كثرت الأقسام ـ أو الأيمان ـ وجه من وجوه إعجاز القرآن هذا الكتاب السماوي ، وهو من أجمل جوانبه وأبهاها وسيأتي تفصيل كلّ ذلك في موقعه.
وفي مستهلّ السورة يقسم الله سبحانه بخمسة أشياء مختلفة ، وقد جاء القسم بأربعة أشياء متوالية سردا وجاء القسم بخامسها فردا.
فيقول الله في البداية : (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) (١) أي قسما بالرياح التي تحمل السحب في السماء وتذروا البذور على الأرض في كلّ مكان ...
ثمّ يضيف : (فَالْحامِلاتِ وِقْراً) (٢) قسما بالسحب التي تحمل أمطارا ثقيلة معها ...
(فَالْجارِياتِ يُسْراً) (٣) «والجاريات هنا هي السفن» أي قسما بالسفن التي تجري في الأنهار العظيمة والبحار الشاسعة بيسر وسهولة ..
(فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) «والمقسمات «هنا» معناها الملائكة الذين يقسّمون الأمور.
ونقرأ حديثا نقله كثير من المفسّرين ذيل هذه الآية أنّ «ابن الكوا» (٤) سأل مرّة عليا عليهالسلام وهو على المنبر خطيبا : ما (الذَّارِياتِ ذَرْواً)؟ فقال عليهالسلام : هي الرياح.
فقال : (فَالْحامِلاتِ وِقْراً) فأجاب عليهالسلام : هي السحاب.
فقال : (فَالْجارِياتِ يُسْراً) فقال عليهالسلام : هي السفن.
__________________
(١) الذاريات : جمع الذارية ومعناها الريح التي تحمل معها الأشياء وتنشرها في الفضاء.
(٢) الوقر ـ على زنة الفكر ـ معناه ذو الوزن الثقيل كما يأتي معنى ثقل السمع والوقار ثقل الحركات والحلم والهدوء أيضا.
(٣) الجاريات جمع جارية ، ومعناها هنا السفن كما تأتي بمعنى الأنهار لجريانها وقد ورد قوله تعالى : (فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ) في الآية (١٢) من سورة الغاشية كما تطلق الجارية على الشمس لجريها في السماء ، وتطلق الجارية أيضا على الفتاة لأنّ نشاط الشباب يجري في كيانها.
(٤) كان يدعى بعبد الله ، وكان من المنافقين في زمان الإمام علي ، وأشدّ أعدائه وكان يزعم أنّه من أصحابه إلّا أنّه كان يتآمر عليه.