القبائل أنت؟! فقلت من بني الأصمع ... فقال من أين تأتي؟ فقلت : من مكان يقرأ فيه كلام الله فقال لي : اقرأ لي منه ، فقرأت له آيات من سورة الذاريات حتّى بلغت (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) فقال كفى. ثمّ نهض وعمد إلى بعير عنده فنحره وقسّم لحمه على المحتاجين من الذاهبين والآئبين ثمّ عمد إلى سيفه وقوسه فكسّرهما أيضا وألقاهما جانبا واستدار إلى الوراء ومضى وانتهت هذه القصّة!.
وحين مضيت إلى حجّ بيت الله الحرام بمعيّة هارون الرشيد وكنت مشغولا في الطواف إذا أنا برجل يناديني بصوت ضعيف فنظرت فإذا هو ذلك الأعرابي وكان نحيلا مصفّر الوجه «وكان يظهر عليه العشق الملتهب الذي لم يدع له قرارا» فسلّم عليّ وطلب منّي أن أعيد عليه سورة الذاريات فلمّا بلغت الآية آنفة الذكر صرخ : وقال وجدنا وعد ربّنا حقّا .. ثمّ أضاف هل هناك آية بعدها؟! فقرأت فورب السماء والأرض أنّه لحقّ : فصرخ ثانية وقال يا سبحان الله من ذا الذي أغضب الجليل حتّى حلف ليصدّقوه بقوله حتّى ألجأوه إلى اليمين (١).
٢ ـ أين الجنّة؟!
كما ذكرنا في الآيات آنفة الذكر فإنّ بعض المفسّرين يرى أنّ جملة (وَما تُوعَدُونَ) معناها الجنّة. وقالوا : يستفاد من هذه الآية أنّ الجنّة في السماء ، إلّا أنّ هذا الكلام لا ينسجم مع الآية التي تتحدّث عن الجنّة فتقول : (عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) (٢)
وكما قلنا ـ إنّ هذا التّفسير لجملة (وَما تُوعَدُونَ) لا دليل عليه ، بل يمكن أن يكون إشارة إلى وعد الله برزقه أو عذاب السماء.
وإذا كان في الآية (١٥) من سورة النجم قد ورد أنّ جنّة المأوى في السماء عند سدرة المنتهى فليس ذلك دليلا على هذا المعنى ، لأنّ «جنّة المأوى» قسم من
__________________
(١) تفسير الكشّاف ، ج ٤ ، ص ٤٠٠.
(٢) آل عمران ، الآية ١٣٣.