ذلك. ممّا يستلزم تحذيرا إلهيّا للإنسان ، بأنّ هذه الدنيا ليست المستقّر ، فالحذر من التعلّق بها ، ولا بدّ من الاستفادة من هذه النعم في طاعة الله .. إنّ هذا التنبيه والتذكير بالرحيل عن هذه الدنيا هو نعمة عظيمة.
الضمير في (عليها) يرجع إلى الأرض التي ورد ذكرها في الآيات السابقة ، بالإضافة إلى القرائن الاخرى الموجودة ، لذا فهو واضح.
كما أنّ المقصود (مَنْ عَلَيْها) هم الجنّ والإنس مع العلم أنّ بعض المفسّرين احتملوا أنّ الحيوانات والكائنات الحيّة جميعا مشمولة بهذا المعنى.
وبما أنّ كلمة (من) تستعمل غالبا للعاقل ، لذا فالمعنى الأوّل هو الأنسب.
صحيح أنّ مسألة الفناء لا تنحصر بالإنس والجنّ فقط ، ولا تختّص بالكائنات الموجودة على الأرض فحسب ، حيث يصرّح القرآن الكريم بأنّ أهل السماء والأرض جميعا يفنون ، وذلك في قوله : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) ، (١) ولكن لمّا كان الحديث يدور حول أهل الأرض ، لذا فهم المقصودون.
ويضيف في الآية اللاحقة قوله سبحانه : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ).
«وجه» معناه اللغوي معروف وهو القسم الأمامي للشيء بحيث يواجهه الإنسان في الطرف المقابل ، واستعمالها بخصوص لفظ الجلالة يقصد به (الذات المقدّسة).
فسّر البعض (وَجْهُ رَبِّكَ) بمعنى الصفات الإلهية المقدّسة ، التي عن طريقها تنزل نعم وبركات الله على الإنسان كالرحمة والمغفرة والعمل والقدرة.
ويحتمل أن يكون المقصود هي الأعمال التي تنجز من أجل الله ، وبناء على هذا فالجميع يفنى ، والشيء الباقي هي الأعمال التي تنجز بإخلاص ولرضى الله
__________________
(١) القصص ، ٨٨.