وينبغي التذكير بهذه اللطيفة أيضا ، وهي أنّ محتوى الآية لا ينافي المشاورة أبدا ، لأنّ الهدف من المشاورة أو الشورى أن يعرب كلّ عن عقيدته ووجهة نظره ، إلّا أنّ الرأي الأخير والنظر النهائي لشخص النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كما يستفاد ذلك من آية الشورى أيضا ...
وبتعبير آخر ... إنّ الشورى هي موضوع مستقل ، وفرض الرأي موضوع آخر ، فالآية محل البحث تنفي فرض الرأي لا المشاورة.
وفي أنّ المراد من «الفسوق» المذكور في الآية ما هو؟! قال بعض المفسّرين هو الكذب ، إلّا أنّه مع الالتفات إلى سعة مفهومه اللغوي فإنّه يشمل كلّ خروج على الطاعة ، فعلى هذا يكون التعبير بـ «العصيان» بعده تأكيدا عليه ، كما أنّ جملة (وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) تأكيد على الجملة السابقة لها : (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ).
وقال بعضهم إنّ كلمة «الفسوق» إشارة إلى الذنوب الكبيرة في حين أنّ «العصيان» أعم منه ... إلّا أنّه لا دليل على ذلك ...
وعلى كلّ حال ، فإنّ القرآن يقرّر قاعدة كلية وعامة في نهاية هذه الآية لواجدي الصفات المذكورة [فيها] فتقول : (أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ).
أي لو حفظتم هذه الموهبة الإلهية «العشق للإيمان والتنفّر من الكفر والفسوق» ولم تلوّثوا هذا النقاء والصفات الفطرية فإنّ الرشد والهداية دون أدنى شكّ في انتظاركم ...
وممّا يستجلب النظر أنّ الجمل السابقة في الآية كانت بصيغة الخطاب للمؤمنين لكنّ هذه الجملة : (أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) تتحدّث عنهم بصيغة «الغائب» ويبدو أنّ هذا التفاوت في التعبير جاء ليدلّ على أنّ هذا الحكم غير مختصّ بأصحاب النبي ، بل هو قانون عام ، فكلّ من حفظ صفاءه الفطري في أي عصر وزمان هو من أهل الرشد والهداية والنجاة.
أمّا آخر الآيات محل البحث فتوضّح هذه الحقيقة وهي أن محبوبية الإيمان