وقد أبلغ عن النّبي جميع من في البادية من القبائل أن يحضروا معه في سفره هذا ، إلّا أنّ قسما من ضعيفي الإيمان لووا رؤوسهم عن هذا الأمر وأعرضوا عنه وكان تحليلهم هو أنّ المسلمين لا يستطيعون الحفاظ على أرواحهم في هذا السفر في حين أنّ كفار قريش كانوا في حالة حرب مع المسلمين وقاتلوهم في أحد والأحزاب على مقربة من المدينة ، فإذا توجّهت هذه الجماعة القليلة العزلاء من كلّ سلاح نحو مكّة وعرّضت نفسها إلى العدو المدجّج بالسلاح. فكيف ستعود إلى بيوتها بعدئذ؟!
إلّا أنّهم حين رأوا المسلمين وقد عادوا إلى المدينة ملاء الأيدي وافرين قد حصلوا على امتيازات تستلفت النظر من صلح الحديبيّة دون أن تراق من أحدهم قطرة دم ، عرفوا حينئذ خطأهم الكبير وجاؤوا إلى النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ليعتذروا إليه ، ويبرّروا تخلّفهم عنه ويطلبوا منه أن يستغفر لهم!
غير أنّ الآيات آنفة الذكر نزلت ففضحتهم وأماطت عنهم اللثام.
وعلى هذا ، فالآيات هذه ـ تبيّن حالة المخلّفين ضعاف الإيمان بعد أن بيّنت الآيات السابقة حال المنافقين والمشركين لتتمّ حلقات البحث ويرتبط بعضها ببعض!
تقول هذه الآيات : (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ).
إنّهم لم يكونوا صادقين حتى في توبتهم! فأبلغهم يا رسول و (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً)؟!
فليس على الله بعزيز ولا عسير أن يحفكم بأنواع البلاء والمصائب وأنتم في دار أمنكم وبين أهليكم وأبنائكم كما لا يعزّ عليه أن يجعلكم في حصن حصين من بأس الأعداء ولو كنتم في مركزهم!