أن تعلمهما ... كل ذلك بنفسه دليل على أن هذا الكتاب تنزيل من ربّ العالمين ، وهذا نفسه دليل على إعجاز القرآن!!
لذلك تضيف الآية التالية قائلة : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ).
ولو كان القرآن لم ينزله ملك الوحي «الروح الأمين من قبل الله» لم يكن بهذا الإشراق والصفاء والخلو من الخرافات والأساطير والأباطيل ...
وممّا يلفت النظر أن ملك الوحي وصف بوصفين في الآية : الأوّل أنّه الروح ، والوصف الثّاني أنّه الأمين ...
فالروح هي أساس الحياة ، والأمانة ، هي شرط أصيل في الهداية والقيادة! ...
أجل ، إن هذا الروح الأمين نزل بالقرآن (عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ). (١) فالهدف هو أن تنذر الناس ، وأن تحذرهم من مغبة الانحراف عن التوحيد ، ليحذروا من سوء العاقبة ... إن الهدف من بيان تأريخ السالفين لم يكن مجرّد شرفا فكريا ولملء الفراغ ، بل إيجاد الإحساس بالمسؤولية واليقظة ، والهدف هو التربية وبناء شخصية الإنسان! ...
ولئلا تبقى حجّة لأحد ولا عذر ، فإنّ القرآن أنزل (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ...)
فهذا القرآن نازل بلسان عربي فصيح ، خال من الإبهام ، للإنذار والإيقاظ ، ولا سيما أنه نزل في محيط يتذرع أهله بالحجج الواهية ، نزل بليغا واضحا ...
هذا اللسان العربي هو أكمل الألسنة واللغات وأغناها أدبا ومقاما ...
والجدير بالذكر أن أحد معاني «عربي» هو ذو الفصاحة والبلاغة ـ بقطع النظر عن كيفية اللسان ، وكما يقول الراغب في المفردات : العربي : الفصيح البيّن من الكلام ...
وفي هذه الصورة فإنه ليس المعوّل على لسان العرب ، بل الأساس صراحة
__________________
(١) واضح ـ هنا ـ أن المراد من القلب هو روح النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لا القلب الذي يعدّ مضخّة للدم ... وانتخاب هذا التعبير إشارة إلى أنّك يا رسول الله استوعبت القرآن بروحك وقلبك ، وهذه المعجزة السماوية مقرّها قلبك.