في موقع النبوة ، وأنه من أولي العزم .. لا يكتفي بهذه العناوين ...
ثمّ ـ إضافة إلى ذلك ـ فإنّ إبراهيم عليهالسلام يعلم أن كل ذلك من الله سبحانه ، ومن الممكن في أي لحظة أن تسلب هذه المواهب أو تزل به القدم ، لذا فهو يطلب دوامها من الله إضافة إلى التكامل ، كما أننا نخطو ونسير إن شاء الله في الصراط المستقيم ، ومع ذلك فكلّ يوم نسأل ربّنا في الصلاة أن يهدينا الصراط المستقيم ، ونطلب منه التكامل ومواصلة هذا الطريق!
وبعد هذين الطلبين ... يطلب موضوعا مهما آخر بهذه العبارة : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ).
أي اجعلني بحال تذكرني الأجيال الآتية بخير ، واجعل منهجي مستمرا بينهم فيتخذوني أسوة وقدوة لهم فيتحركون ويسيرون في منهاجك المستقيم وسبيلك القويم ...
فاستجاب الله دعاء إبراهيم كما يقول سبحانه في القرآن الكريم : (وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا). (١)
ولا يبعد أن يكون هذا الطلب شاملا لما سأله إبراهيم الخليل ربه بعد بناء الكعبة ، فقال : (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ). (٢)
ونعرف أن هذا الدعاء تحقق بظهور نبيّ الإسلام. وذكر إبراهيم الخليل بالخير في هذه الأمة عن هذا الطريق ، وبقي هذا الذكر الجميل مستمرا ...
ثمّ ينظر إبراهيم إلى أفق أبعد من أفق الدنيا ، ويتوجه إلى الدار الآخرة ، فيدعو بدعاء رابع فيقول : (وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ).
«جنة النعيم» التي تتماوج فيها النعم المعنوية والمادية ، النعم التي لا زوال لها
__________________
(١) سورة مريم ، الآية ٥٠.
(٢) البقرة ، الآية ١٢٩.