وبعض : بمعنى التضرع إلى الله في المحن والشدائد.
لكنّ أساس جميعها هو الإيمان والتوجه إلى الله.
وبناء على هذا ، يكون مفهوم الآية هكذا : إن ما يعطيكم الوزن والقيمة والقدر عند الله هو الإيمان بالله والتوجه إليه ، والعبودية له.
ثمّ يضيف تعالى : (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً).
من الممكن التصور أن تضادا بين بداية الآية ونهايتها ، أو أنّه لا يبدو على الأقل الارتباط والانسجام اللازم بينهما ، ولكن إذا دققنا قليلا يتّضح أنّ المقصود أساسا هو : أنّكم قد كذبتم فيما مضى بآيات الله وبأنبيائه ، فإذا لم تتوجهوا إلى الله ، ولم نسلكوا طريق الإيمان به والعبودية له ، فلن تكون لكم أية قيمة أو مقام عنده ، وستحيط بكم عقوبات تكذيبكم. (١)
ومن جملة الشواهد الواضحة التي تؤيد هذا التّفسير ، الحديث المنقول عن الإمام الباقر عليهالسلام ، أنّه سئل : «كثرة القراءة أفضل أو كثرة الدعاء»؟ فقال عليهالسلام : «كثرة الدعاء أفضل وقرأ هذه الآية». (٢)
* * *
__________________
(١) الآية أعلاه من الآيات التي هي مورد مناقشات كثيرة بين المفسّرين ، وما قلناه في تفسيرها هو أوضح تفسير ، لكن جماعة من المفسّرين المعروفين ذكروا لها تفسير آخر خلاصته هكذا. لا اعتناء لله بكم ، ذلك لأنّكم كذبتم بآياته ، إلّا أن الله يدعوكم إلى الإيمان (طبقا لهذا التّفسير : «دعاؤكم» من قبيل إضافة المصدر إلى المفعول ، وفاعله ضمير يعود إلى «ربّي». لكن طبقا للتفسير الذي اخترناه فإن «دعاؤكم» من قبيل إضافة المصدر إلى الفاعل ، وظاهر إضافة المصدر إلى الضمير هي أن تكون الإضافة إلى الفاعل ، إلّا أن تظهر قرينة على خلافه). ثمّة تفسير ثالث لهذه الآية وهو أنّ الهدف بيان : إنّكم أيّها البشر ، غالبا ما سلكتم طريق التكذيب ، فلا وزن ولا قدر لكم عند الله ، إلّا لأجل تلك الأقلية مثل «عباد الرحمن» الذين يتوجهون إلى الله ويدعونه بإخلاص (هذا التّفسير وإن كان صحيحا من ناحية المعنى والمضمون ، لكنّه لا يوافق ظاهر الآية كثيرا ، ذلك لأنّ الضمير في «دعاؤكم» و «كذبتم» يعود ظاهرا إلى فئة واحدة لا فئتين (فتأمل!).
(٢) تفسير الصافي ، ذيل هذه الآية ـ نقلوا لهذه الرّواية أيضا تفاسير أخرى يتفاوت يسير ، نقلت أيضا روايات أخرى شاهدة على التّفسير أعلاه ، بعضها عن أمالي الشيخ الطوسي ، وبعضها عن تفسير علي بن إبراهيم ذيل هذه الآية.