ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً) وبعد أن تتراكم السحب ترى قطرات المطر تخرج من بين السحاب وتهبط على الجبال والسهول والصحاري (فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ).
وكلمة «يزجي» مشتقّة من «الإزجاء» ، أي سوقه بأسلوب لين لترتيب المخلوقات المتبعثرة هنا وهناك بقصد جمعها.
وهذا التعبير يصدق بالنسبة للسحب ، حيث ترتفع كلّ قطعة منه من جانب من البحر. ثمّ تسوقها يد القدرة الإلهية. وتجمعها ، فتراكم بعضها على بعض.
وكلمة «ركام» على وزن «غلام» ، بمعنى الأشياء المتراكمة بعضها فوق بعض.
وأمّا «الودق» على وزن «شرق» ، فيرى الكثيرون أنّها حبّات المطر ، إلّا أنّ الراغب الأصفهاني يرى في مفرداته أنّها ذرات دقيقة من الماء ، أي : الرذاذ الذي يتناثر في الفضاء حين هطول المطر.
والمعنى الأوّل أكثر ملاءمة هنا ، فما يدلّ بشكل أكبر على عظمة الله هو ذرات المطر نفسها وليس رذاذه ، إضافة إلى أنّ القرآن كلّما ذكر السحاب ونزول بركات الله من السماء ، أشار فيها إلى المطر. فهو الذي يحيي الأرض بعد موتها ويبعث الحياة في الأشجار والنباتات ، ويروي عطش البشر والحيوان.
وأشار القرآن إلى ظاهرة أخرى من ظواهر السماء المدهشة ، وهي السحاب ، حيث قال : (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) أي من جبال السحب في السماء تنزل قطرات المطر على شكل ثلج وبرد ، فتكون بلاء لمن يريد الله عذابه فتصيب هذه الثلوج المزارع والثمار وتتلفها وقد تصيب الناس والحيوانات فتؤذيهم (فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ) ومن لم يرد تعذيبه دفع عنه هذا البلاء (وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ).
أجل ، إنّه هو الذي ينزّل الغيث المخصب من سحابة تارة ... وهو الذي يصيّره بردا بأدنى تغيير بأمره فيصيب به (بالأذى) من يشاء ، وربما يكون مهلكا أحيانا.