لسانها ولسان الرسالة التي ذكرناها أوّلاً تقضي بما أثبتناه ، فانّ طبيعة الاُمور ومجاريها قائمة على أن يرسل الخليفة الجديد إلى ولاة المناطق بخبر استخلافه ويطلب منهم البيعة ، ثم انّه من المستبعد جداً أن يرسل الإمام عليهالسلام إلى معاوية بهذه اللّهجة الصارخة والشدة في الخطاب وبيان الاستعداد لحربه ـ كما في هذه الرسالة ـ ، ثم يرسل له بعد ذلك بالمطالبة وأنّه الأحقّ منه.
ظرف الرسالة :
اتضحت ملامح الأزمة وخيوطها بشكل أكبر ، فالظرف ظرف تأزّم واستعداد للحرب وتهيؤ للقتال ، فانّ الإمام عليهالسلام ثابت على موقفه وطريقته في الأمت والعوج وإظهار الدّين وإبقاء الحق عند أهله ، ورفض معاوية جملة وتفصيلا ، وفي المقابل يقف معاوية متمنياً الخلافة مصرّاً على الملك ، طالباً لما يريد بأي ثمن كان ، ويحتمل أنّ الإمام عليهالسلام قد وصل إلى مسامعه ما أرسله معاوية إلى عمّاله في هذه الآونة ، فقد أرسل إليهم بعد أن جاءه جواب الإمام عليهالسلام السابق وعرف منه العزم على الحرب وعدم التفكير في قبوله أبداً : « من عبد الله أمير المؤمنين إلى فلان بن فلان ، ومن قبله من المسلمين ، سلام عليكم فإنّي أحمد الله الذي لا إلٰه إلّا هو ، أمّا بعد فالحمد لله الذي كفاكم مؤنة عدوّكم وقاتل خليفتكم : إنّ الله بلطفه وحسن صنيعه أتاح لعلي بن أبي طالب رجلاً من عباده فاغتاله فقتله فترك أصحابه متفرقين مختلفين ، وقد جاءتنا كتب أشرافهم وقادتهم يلتمسون الأمان لأنفسهم وعشائرهم فأقبلوا إليّ حين يأتيكم كتابي هذا بجهودكم وجندكم وحسن عدّتكم ، فقد أصبتم بحمد الله الصبر وبلغتم الأمل وأحلّ الله أهل البغي والعدوان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته » (٣٩).
وقد علّق الاستاذ
توفيق أبو علم على هذه الرسالة بقوله : « والذي يلفت النظر