فقالوا قوله من حلف عند هذا المنبر على يمين آثمة يدل على أن الأيمان قد كانت تكون عنده* قال أبو بكر وليس فيه دلالة على أن ذلك مسنون وإنما قال ذلك لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد كان يجلس هناك فلذلك كان يقع الاستحلاف عند المنبر واليمين عند المنبر أعظم مأثما إذا كانت كاذبة لحرمة الموضع فلا دلالة فيه على أنه ينبغي أن تكون عند المنبر والشافعى لا يستحلف في الشيء التافه عند المنبر وقد ذكر في الحديث ولو على سواك أخضر فقد خالف الخبر على أصله وأما قوله أنطلق ليحلف وأنه لما أدبر قال النبي صلّى الله عليه وسلّم ما قال فإنه لا دلالة فيه على أنه ذهب إلى الموضع وإنما المراد بذلك العزيمة والتصميم عليه قال تعالى (ثم أدبر واستكبر) لم يرد به الذهاب إلى الموضع وإنما أراد التولي عن الحق والإصرار عليه وما روى عن الصحابة في الحلف عند المنبر وبين الركن والمقام فإنما كان ذلك لأنه كان ينفق الحكومة هناك ولا ينكر أن تكون اليمين هناك أغلظ ولكنه ليس بواجب لقوله صلّى الله عليه وسلّم اليمين على المدعى عليه ولم يخصصها بمكان ولكن الحاكم إن رأى تغليظ اليمين باستحلافه عند المنبر إن كان بالمدينة وفي المسجد الحرام إن كان بمكة جاز له ذلك كما أمر الله باستحلاف هذين الوصيين بعد صلاة العصر لأن كثيرا من الكفار يعظمونه ووقت غروب الشمس.
(فصل) قد تضمنت هذه الآية الدلالة على جواز شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض وذلك لأنها قد اقتضت جواز شهاداتهم على المسلمين وهي على أهل الذمة أجوز فقد دلت الآية على جواز شهادتهم على أهل الذمة في الوصية في السفر ولما نسخ منها جوازها على المسلمين بقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ـ إلى قوله ـ واستشهدوا شهيدين من رجالكم) بقي بذلك جواز شهادة أهل الذمة عليهم ونسخ بذلك قوله (أو آخران من غيركم) وبقي حكم دلالتها في جوازها على أهل الذمة في الوصية في السفر وإذا كان حكمها باقيا في جوازها على أهل الذمة في الوصية في السفر اقتضى جوازها عليهم في سائر الحقوق لأن كل من يجيزها على أهل الذمة في الوصية في السفر ومنع جوازها على المسلمين في ذلك أجازها على أهل الذمة في سائر الحقوق* فإن قال قائل فإن ابن أبى ليلى والثوري والأوزاعى يجيزون شهادة أهل الذمة على وصية المسلم في السفر على ما روى عن أبى موسى وشريح ولا يجيزونها على الذمي