له إن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقبل الهدية ويثيب عليها فقال كانت حينئذ هدية وهي اليوم سحت ولم يكره محمد للقاضي قبول الهدية ممن كان يهديه قبل القضاء فكأنه إنما كره منها ما أهدى له لأجل أنه قاض ولو لا ذلك لم يهد له وقد دل على هذا المعنى قول النبي صلّى الله عليه وسلّم هلا جلس في بيت أبيه وأمه فنظر أيهدى له أم لا فأخبر أنه إنما أهدى له لأنه عامل ولو لا أنه عامل لم يهد له وأنه لا يحل له وأما من كان يهاديه قبل القضاء وقد أعلم به لم يهده إليه لأجل القضاء فجائز له قبوله على حسب ما كان يقبله قبل ذلك وقد روى أن بنت ملك الروم أهدت لأم كلثوم بنت على امرأة عمر فردها عمر ومنع قبولها.
باب الحكم بين أهل الكتاب
قال الله تعالى (فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) ظاهر ذلك يقتضى معنيين أحدهما تخليتهم وأحكامهم من غير اعتراض عليهم والثاني التخيير بين الحكم والإعراض إذا ارتفعوا إلينا وقد اختلف السلف في بقاء هذا الحكم فقال قائلون منهم إذا ارتفعوا إلينا فإن شاء الحاكم حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم وردهم إلى دينهم وقال آخرون التخيير منسوخ فمتى ارتفعوا إلينا حكمنا بينهم من غير تخيير فممن أخذ بالتخيير عند مجيئهم إلينا الحسن والشعبي وإبراهيم رواية وروى عن الحسن خلوا بين أهل الكتاب وبين حاكمهم وإذا ارتفعوا إليكم فأقيموا عليهم ما في كتابكم وروى سفيان بن حسين عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس قال آيتان نسختا من سورة المائدة آية القلائد وقوله تعالى (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مخيرا إن شاء حكم بينهم أو أعرض عنهم فردهم إلى أحكامهم حتى نزلت (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يحكم بينهم بما أنزل الله في كتابه وروى عثمان بن عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله (فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) قال نسخها قوله (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) وروى سعيد بن جبير عن الحكم عن مجاهد (فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) قال نسختها (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) وروى سفيان عن السدى عن عكرمة مثله* قال أبو بكر فذكر هؤلاء أن قوله (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) ناسخ للتخيير المذكور في قوله (فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) ومعلوم أن ذلك لا يقال من طريق الرأى لأن العلم بتواريخ نزول الآي لا يدرك من طريق الرأى