أُنيسِيانا.
وإذا قالوا : أَناسِينُ فهو جمعٌ بيّنٌ ، مِثْل بُسْتان وبَساتِين.
وإذا قالوا : (أَناسِيَ كثيرا) فخفّفوا الياء وأَسقَطوا الياء الّتي تكون ما بينَ عَيْنِ الفِعل ولامِه ؛ مثل قرَاقِير وقَراقِر ، ويُبيِّن جَوازَ أَناسِي بالتخفيف قولُ العَرَب : أناسِيَةٌ كثيرة ، والواحد إِنْسِي وإنسان إِن شئتَ.
وأخبرَني المنذريُّ عن أبي الهيثم أنّه سألَه عن النّاس ما أصلُه؟ فقال : أصلُه الأُناس ، لأن أصلَه أُناسٌ ، فالألف فيه أصليّة ، ثم زيدتْ عليه اللّامُ الّتي تُزاد مع الألف للتعريف ، وأصلُ تلك اللامِ سكون أبدا إلّا في أحرفٍ قليلةٍ ، مِثل الاسم والابن وما أشبهَهَا من الألِفَات الوَصْليَّة ، فلما زادُوهُما على أُناس صار الاسم الأُنَاسُ ، ثم كثرتْ في الكلام فكانت الهمزةُ واسطةً ، فاستثْقلُوها فتركُوها ، وصارَ باقِى الاسم أَلُنَاس بتحريك اللّام في الضمّة ، فلمّا تحرّكت اللّام والنّون أَدغَموا اللّام في النّون فقالوا : النّاس ، فلمّا طَرَحوا الألفَ واللّام ابتدأوا الاسمَ فقالوا : قال ناسٌ من النّاس.
قلتُ : وهذا الذي قاله أبو الهَيْثم تعليلُ النحويِّين ، وإنسانٌ في الأصل : إنْسِيَان وهو فِعْليانٌ من الإنس ، والأَلِفُ فيه فاءُ الفِعل ، وعلى مِثالِه : حِرْصِيان : وهو الجِلْد الّذي يلي الجِلْدَ الأعلى من الحيوان ، سُمِّي حِرْصِيانا لأنّه يُحرَص ، أي : يُقشَر ، ومنه أُخِذت الحارِصَةُ من الشِّجاج ، ويقال : رجلٌ حِذْرِيان إذا كان حَذِرا.
وإنّما قيلَ في الإنسان : أصلُه إنْسِيَان لأنّ العَرَب قاطبةً قالوا في تَصغِيره أنيْسِيَان ، فدَلّت الياءُ الأخيرةُ على الياء في تكبيره ، إلّا أنّهم حذفوها لمّا كثُر الإنسان في كلامِهم.
وقال أبو الهَيْثم : الإنْسانُ أيضا : إنسانُ العَيْن ، وجمعُه أَناسِيُ.
وقال ذو الرُّمّة :
إذا استجْرَسَتْ آذانُها استأنَستْ لها |
أَناسِيُ مَلْحودٌ لها في الحَواحِبِ |
قال : والإنْسان : الأَنمُلةُ.
وأَنشَد :
تَمْرِي بأَسنانِها إنسَانَ مُقْلتِها |
إنسانَةٌ في سَوادِ اللّيل عُطْبُول |
وقال آخَر :
أشارتْ لإنسانٍ بإنسانِ كَفِّها |
لتَقْتُلَ إنسانا بإنسانِ عَيْنِها |
قلت : وأصلُ الإنس والأَنَس والإنسان : من الإيناس وهو الإبصار ، يقال : أَنَسْتُهُ وأَنِسْتُه : أي : أَبْصَرْته.
وقال الأعشى :
لا يَسمَع المرءُ فيها ما يُؤَنِّسُه |
باللَّيْل إلا نَئِيمَ البُوم والضُّوَعا |