ويكون الزمان شهرين إلى ستة أشهر ، والدهر لا ينقطع. قلت : والدهر عند العرب يَقَع على بعض الدهر الأطوَلِ ، ويقَع على مُدّة الدنيا كلِّها وقد سمعت غير واحد من العرب يقول : أقمنا على ماء كذا وكذا دَهْراً ، ودارنا التي حللنا بها دَهْراً ، وإذا كان هذا هكذا جاز أن يقال : الزمان والدهر واحد في معنى دون معنًى وقد سمعتُ أعرابياً فصيحاً يقول : ماءُ كذا وكذا يحملنا الشَّهْرَ والشَّهْرَين ، ولا يحملنا الدّهر الطويل : أراد أنّ ما حوله من الكلأ ينفَدُ سَريعاً فنحتاج إلى حُضورِ ماء آخر ؛ لأن الماء إذا أكلت الماشية ما حوله من الكلأ لم يكن لحُضّاره بُدٌّ من طَلَبِ ماءٍ آخرَ يَرْعَوْنَ ما حَوْله ويجوز أن تقول : كنا أزمانَ ولاية فلانٍ بموضع كذا وكذا ، إن طالت مدّةُ ولايته والسَّنَة عند العرب أربعة أزمنة : ربيع الكلأ ، والقيظ والخَريف والشتاء ؛ ولا يجوز أن يقال : الدّهر أربعة أزمنة ، فهما يفترقان في هذا الموضع.
قال الشافعي : الحينُ يقع على مدّة الدنيا ، ويَوْم ، ولا نعلم للحين غايةً ، وكذلك زمانٌ ودَهْرٌ وأحقابٌ. ذكر هذا في كتاب «الإيمان». حكاه المُزنّى في «مُختصره» عنه.
وقال ابن الأنباريّ يقال في النِّسْبة إلى الرجل القديم : دَهْرِيّ ، وإن كان من بني دَهْر بن عامر قلتَ دُهْرِيّ لا غير بضمّ الدال.
وقال ابن كَيْسان : ومما غُيِّرتْ حركاتُه في النِّسبة قولُهم : رجُلٌ سُهْليٌّ بضمّ السِّين في المنسوب إلى السَّهل ، وكذلك رَجُلٌ دُهريّ. قال : ولهما أمثالٌ كثيرة.
حدثنا عبد الله بن محمد بن هَاجَك ، عن ابن جَبَلة ، عن أبي عبيد ، عن ابن عُلَيّة ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن أبي بَكْرَة عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ألا إن الزَّمان قد استدار كهَيْئَته يومَ (١) خَلَق الله السَّماوات والأرض ، السَّنة (اثْنا عَشَرَ شَهْراً) ، أربعةٌ منها حُرُم ، ثلاثة منها متواليات : ذو القعدة وذو الحجة ومحرَّمٌ ورجب مُفرَد.
قلتُ : أراد بالزمان الدَّهْرَ وسِنِيّه.
وقال الليث : الدَّهارير : أول الدهر من الزمان الماضي ، يقال : كان ذلك في دَهْر الدَّهارير ، قال : ولا يُفْرَد منه دِهْرِير.
قال : والدّهرُ : النازلة تنزل بالقوم تقول : دَهَرَهمْ أمرٌ : نَزَلتْ بهم نازِلةٌ ويقال : ما دَهري كذا وكذا : أي ما هِمَّتي.
وقال ابن السكيت : ما طِبِّي كذا : أي ما دهري : قال الليث : ورَجُل دَهْوَرِيُ الصَّوْت ، وهو الصُّلْبُ الصَّوْت. قلتُ : وهذا خَطَأ عندي ، والصوابُ رجلٌ جَهْوَرِيُّ الصَّوْت بالجيم : أي رَفيعُ الصوت فَخْمُه ؛ فصُحِّف وقلبت الجيمُ دالاً والله أعلم.
والدَّهْوَرة : جمعُ الشيء ثم قذفه في مَهْوَاة. وقال غير الليث دَهْوَرَ فلانٌ اللُّقَم إذا أدارها ثم التهمها.
__________________
(١) في المطبوعة (يوم) مكررة.