ويشبهه بمراوحة
الزامر أنامله على خروق الناي لسماع الأصوات المتنوعة والتشعبة بحسب تغييره لوضع
أنامله لدى فتحتات المزمار ، « فإذا وضع الزامر أنامله على خروق الناي المسنوقة ،
وراوح بين أنامله ، اختلفت الأصوات ، وسمع لكل منها صوت لايشبه صاحبه ، فكذلك إذا
قطع الصوت في الحلق والفم ، باعتماد على جهات مختلفة ، كان سبب استماعنا هذه
الأصوات المختلفة » .
وكذلك تعقيبه على هذا التمثيل في إحداث
الصوت بالنسبة لأوضاع أجهزة الصوت ، بتشبيهه ذلك بوتر العود ، وكيفيية ضربه ببعض
أصباع اليسرى أو جسة في اليمنى مما يحدث أصواتاً مختلفة عند تلقي الأذن لذلك
فتتذوق من خلال ذلك جوهر الصوت ، كما تتذوقه في أصوات الحروف تبعاً للرقة والصلابة
في الوتر ، وكذلك الحال بالنسبة للوترين الصوتيين في جهاز النطق الصوتي عند
الإنسان ، يقول :
« ونظير ذلك أيضاً وتر العود ، فإن
الضارب إذا ضربه وهو مرسل سمعت له صوتاً ، فإن حصر آخر الوتر ببعض أصابع يسراه ،
أدى صوتاً آخر ، فإن أدناها قليلاً ، سمعت غير الإثنين ، ثم كذلك كلما أذنى إصبعه
من أول الوتر غفلاً غير محصور ، تجده بالإضافة إلى ما أداه وهو مضغوط محصور ، أملس
مهتزاً ، ويختلف ذلك بقدر قوة الوتر صلابته ، وضعفه ورخاوته ، فالوتر في هذا
التمثيل كالحلق ، والخفقة بالمضراب عليه كأول الصوت في أقصى الحلق ، جريان الصوت
فيه غفلاً غير محصور كجريان الصوت في الألف الساكنة ، وما يعترضه من الضغط والحصر
بالأصابع كالذي يعرض للصوت في مخارج الحروف من المقاطع ، واختلاف الأصوات هناك
كاختلافها هنا » .
إن ما أبداه ابن جني من تفصيل تمثيلي
دقيق لجهاز النطق عند الإنسان وأثر انطلاق الهواء مضغوطاً وغير مضغوط في إحداث
الأصوات مختلفة بحسب إرادة الناطق أو الموصوّت : هو ما تبناه علم الأصوات
__________________