أصوات الصفير في وضوحها ، وأصداؤها في أزيزها ، جعل لها وقعاً متميزاً ما بين الأصوات الصوامت ، وكان ذلك ـ فيما يبد ولي ـ نتيجة التصاقها في مخرج الصوت ، واصطكاكها في جهاز السمع ، ووقعها الحاصل ما بين هذا الالتصاق وذلك الاصطكاك ، هذه الأصوات ذات الجرس الصارخ هي : الزاي ، السين ، الصاد ، يلحظ لدى استعراضها أنها تؤدي مهمة الإعلان الصريح عن المراد في تأكيد الحقيقة ، وهي بذلك تعبر عن الشدة حيناً ، وعن العناية بالأمر حيناً آخر ، مما يشكل نغماً صارماً في الصوت ، وأزيزاً مشدداً لدى السمع ، يخلصان إلى دلالة اللفظ في إرادته الاستعمالية ، ومؤداه عند إطلاقه في مظان المعنى.
وسأقف عند ثلاث صيغ قرآنية ختمت بحروف الصفير ، لرصد أبعادها الصوتية ؛ هي : « رجز » و « رجس » و « حصحص ».
١ـ الرجز ، في مثل قوله تعالى : ( أولآئك لهم عذاب من رجز أليم ) (١).
وقوله تعالى : ( لئن كشفت عنا الرجز ) (٢).
وقوله تعالى : ( فلمّا كشفنا عنهم الرجز ) (٣).
ويظهر في أصل الرجز الاضطراب لغة ، فتلمس فيه الزلزلة في ارتجاجها ، والهدة عند حدوثها ، والنازلة في وقوعها ، ولما كان القرآن العظيم يفسر بعضه بعضها ، فإننا نأنس على هذه المعاني في كل من قوله تعالى :
( فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السمآء ) (٤).
وقوله تعالى : ( فأرسلنا عليهم رجزاً من السّماء بما كانوا يظلمون ) (٥).
__________________
(١) سبأ : ٥.
(٢) الأعراف : ١٣٤.
(٣) الأعراف : ١٣٥.
(٤) البقرة : ٥٩.
(٥) الأعراف : ١٦٢.