ومنفتحها ، وساكنها
ومتحركها ، ومضغوطها ومهتوتها ، ومنحرفها ومشرّبها ، ومستويها ومكررها ، ومستعليها
ومنخفضها ، إلى غير ذلك من أجناسها » .
وابن جني في هذا الاسترسال السلس يعطينا
مهمة الفكر الصوتي في تحقيق المصطلحات بعامة عن طريق تشخيص المسميات التي أسماها ،
وإن سبق إلى بعضها عند الخليل وسيبويه وهو لا يكتفي بهذا القدر حتى يبحث الفروق ،
ويعين المميزات ويذكر الخصائص لكل حرف من هذه الأصناف ، ويفرق بينها وبين الحركات
، مع لوازم البحث ومقتضياته ، إلماماً بجميع الجوانب ، وتنقيباً عن كل النوادر المتعلقة
بهذه الأبواب فيقول:
« وأذكر فوق مابين الحرف والحركة ، وأين
محل الحركة من الحرف : هل هي قبله أو معه أو بعده؟ وأذكر أيضاً الحروف التي هي
فروع مستحسنة ، والحروف التي هي فروع مستقبحة ، والحركات التي هي فروع متولدة عن
الحركات ، كتفرع الحروف من الحروف. وأذكر أيضاً ما كان من الحروف في حال سكونه له
مخرج ما ، فإذا حرك أقلقته الحركة ، وأزالته عن محله في حال سكونه ، وأذكر أيضاً
أحوال هذه الحروف في أشكالها ، والغرض في وضع واضعها ، وكيف ألفاظها ما دامت
أصواتاً مقطعة ، ثم كيف ألفاظها إذا صارت أسماء معرفة ، ما الذي يتوالى فيه
إعلالان بعد نقله ، مما يبقى بعد ذلك من الصحة على قديم حاله ، وما يمكن تركبه
ومجاورته من هذه الحروف وما لا يمكن ذلك فيه ، وما يحسن وما يقبح فيه مما ذكرنا ،
ثم أفرد ـ فيما بعد ـ لكل حرف منها باباً أغترف فيه ذكر أحواله وتصرفه في الكلام
من أصليته وزيادته ، وصحته وعلته ، وقلبه إلى غيره ، وقلب غيره إليه » .
إن هذا المنهج يكشف عن عمق الفكر الصوتي
عند ابن جني إذ يعرض فيه عصارة تجاربه الصوتية دقيقة منظّمة ، ويتفرغ لبحث أصعب
المشكلات الصوتية بترتيب حصيف يتنقل فيه من الأدنى إلى الأعلى ، ومن البسيط إلى المركب
حتى إذا تكاملت الصورة لديه ، بدأ بالبحث المركز ،
__________________