ولا يمكن في منظورنا أن تفصل سيبويه عن
مدرسة الخليل في اللغة والأصوات ، فهو الممثل الحقيقي لها فيما نقل لنا من علم
الخليل في الكتاب ، وتبقى مدرسة الخليل الصوتية مناراً يستضاء به في كثير من
الأبعاد لمن جاء بعده. فابن دريد ( ت : ٣٢١ هـ ) مثلاً ، يذكر في مقدمة الجمهرة إفاضات
الخليل بعامة ، ويضيف إليها بعض الإشارات في ائتلاف الحروف والأصوات ، ولكن هذا
بالطبع لا يخرجه عن إطار هذه المدرسة في كل الأحوال ، فلديه على سبيل المثال جملة
كبيرة من التسميات المتوافقة مع الخليل كالأصوات الرخوة ، والأصوات المطبقة ،
والأصوات الشديدة. كما أن له بعض الاجتهادات الصوتية في أكثر الحروف وروداً في
الاستعمال ، فأكثرها الواو والياء والهاء ، واقلها الظاء ثم الذال ثم الثاء ثم
الشين ثم القاف ثم الخاء ثم النون ثم اللام ثم الراء ثم الباء ثم الميم .
ولا تعلم صحة هذا الاجتهاد إلا بالإحصاء.
وليس كثيراً على ابن دريد الإحصاء والاستقصاء.
وبعد مدرسة الخليل نجد ابن جني ( ت :
٣٩٢ هـ ) مؤصل هذا الفن ومبرمجه ، وأول مضيف له إضافات مهمة ذات قيمة منهجية في
الدراسات الصوتية ، بما تواضعنا على تسميته بـ ( الفكر الصوتي عند ابن جني ) أو أن
جهود ابن جني في الأصوات ارتفعت إلى مستوى الفكر المخطط والممنهج ، فأفردناه ببحث
خاص ، إذ انتهل من هذا الفكر رواد هذا الفن كما سنرى.
__________________