منهما أصدر حكمه
بناء على نظرة إلى الحنجرة تختلف عن نظر الآخر ، فجونز قد اعتبر أن للحنجرة ثلاثة
أوضاع : الاحتباس ، الانفتاح دون ذبذبة ، الانفتاح مع الذبذبة ، وبذلك تكون الهمزة
صوتاً لا هو بالمجهور ولا بالمهموس.
أما هفنر فقد اعتبر أن للحنجرة وظيفتين
هما : ذبذبة الأوتار الصوتية ؛ وهي صفة الجهر ، وعدم ذبذبتها وهي صفة الهمس ،
ويدخل في حالة عدم الذبذبة احتباس في الحنجرة أو انطلاق فيها في بقية المهموسات
،على أن من المسلم به لدى كل منهما : ان الهمزة عبارة عن احتباس في الحنجرة .
إن هذا العرض إنما تم لجونز وهفنر بعد
تقدم العلم الفيزولوجي الذي أعانهما على فهم جهاز الحنجرة بتفصيلات ذبذبته وعدمها
، ومع هذا فقد اختلفا من وجه في الهمزة ، أما الخليل فقد عينها حسياً بذاته دون
الاستعانة بخبرة تشريحية معقدة ، وانبعاثها من الرئتين دون حيز تنسب إليه لا يضير
معرفته الدقيقة بجهة انطلاقها واصطدامها وخرووجها من فضاء الفم ، إذا كان العلم
الحديث يميل إلى رأي سيبويه في الموضوع على فرض أن الخليل لم يعتبرها أول الأصوات
، فسيبويه في الموضوع تلميذ الخليل وابنه حملة علمه ، فالعائدية على الخليل في
كلتا الحالتين ، وهذا ما يقرب ما نسبه ابن كيسان إلى الخليل في شأن الهمزة ، فيبدو
لنا أنه لم يبدأ بها لأن العين أنصح منها ليس غير.
٣ ـ في هذه المقدمة : إشارات صوتية ،
وإشاررات لغوية ، وقد يدخل الملحظ الصوتي ضمن الملحظ اللغوي كما فعل الخليل هذا
لدى حديثه عن ألف الخماسي باعتبارها ليست أصلية فقال :
« أدخلت هذه الألفات في الأفعال
وأمثالها من الكلام لتكون الألف عماداً سلماً للّسان إلى حرف البناء لأن اللسان لا
ينطلق بالساكن من الحروف فيحتاج إلى ألف الوصل » .
__________________