وإذا صح ما نقله ابن كيسان ، وستجد في البحث ما يتعارض معه نوعاً ما ـ فالخليل يعتبر الهمزة والألف في الحيز الأول لأصوات حروف المعجم ، ولكنه ينتقل إلى الحيز الثاني فيختار الصوت الأنصع بتذوقه للحرف من مخرجه الصوتي ، وهو يوضح طريقته المبدعة بذاك ، فيجرد من نفسه معنياً يتكلم عنه ، فيقول : « وإنما كان ذواقه إياها أنه كان يفتح فاه بالألف ، ثم يظهر الحرف نحو : إب ، إت ، إع ، إغ ، فوجد العين أدخل الحروف في الحلق فجعلها أول الكتاب ، ثم ما قرب منها الأرفع فالأرفع حتى أتى آخرها وهو الميم » (١).
ومعنى هذا أنه سار مع الحروف مسيرة مختبرية استقرائية ، ابتداء من أقصى الحلق ، فالحلق ، ومروراً بفضائه ، فالأسنان ، وانتهاء بالشفة فالميم عندها ، لأن الميم أرفع حروف الشفة.
وهذا يدل على ذائقة حسية فريدة ، وصبر عنيف على الاستنتاج ، حتى توصل إلى ما توصل إليه ابتداعاً وابتكاراً ، دون الاستعانة بأي جهاز علمي ، إذ لا جهاز آنذاك ، وهو مالم يثبت العلم التشريحي الحديث بكل أجهزته الدقيقة ، ومختبراته الضخمة خلافاً له فيما يبدو إلا يسيراً (٢).
إن الخليل في ذائقته الصوتية هذه ، قد قلب حروف العربية ، فوضعها في منازل معينة ضمن مخارج صوتية معينة بحسب مدارج مقدرة من أقصى الحلق حتى إطباق الشفة في الميم.
واتضح أن الخليل رحمه الله تعالى قد صنف هذه المخارج إلى عشرة أصناف كالآتي :
١ ـ ع ، ح ، هـ ، خ ، غ.
٢ـ ق ، ك.
٣ ـ ج ، ش ، ض.
__________________
(١) الخليل ، كتاب العين : ١|٤٧.
(٢) ظ : المؤلف ، منهج البحث الصوتي عند العربي : نقد وتحليل : « بحث ».