حكم : قال الليث : الحَكَم : الله تبارك وتعالى ، وهو أحكم الحاكمين ، و (هُوَ الْحَكِيمُ) (... لَهُ الْحُكْمُ).
قال : والحُكم : العِلم والفِقْه (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) [مريَم : ١٢] أي عِلْماً وفِقهاً ، هذا لِيَحْيَى بن زكريَّا. وكذلك قوله :
* الصَّمت حُكم وقليل فاعله*
والحُكم أيضاً : القضاءُ بالعدل. وقال النَّابِغَة :
واحكُم كحُكْم فتاة الحيِّ إذ نظرت |
إلى حَمام سِراعٍ وارِدِ الثَّمَد |
قلت : ومن صفات الله : الحَكَم ، و (الْحَكِيمُ) والحاكِمُ وهو أحكم الحاكمين ، ومعاني هذه الأسماء متقاربة والله أعلم بما أراد بها ، وعلينا الإيمان بأنها من أسمائه ، والحكيم يجوز أن يكون بمعنى حاكِم ، مثل قدير بمعنى قادر وعليم بمعنى عالم. والعرب تقول : حَكَمْت وأَحْكمتُ وحكَّمت بمعنى مَنَعْت ورددت ، ومن هذا قيل للحاكم بين الناس حاكم : لأنه يمنع الظالم من الظلم. وأخبرني المنذري عن أبي طالب أنه قال في قولهم : حَكَم الله بيننا ، قال الأصمعي : أصل الحُكومة ردُّ الرجُل عن الظلم ، ومنه سُمِّيت حَكَمةُ اللِّجام : لأنها تَرُدُّ الدَّابَّة. ومنه قول لبيد :
أحكمَ الجِنْثِيَّ من عَوْراتِها |
كلُّ حِرْباءٍ إذا أُكْرِه صَلّ |
والجِنْثِيُّ : السيف ، المعنى ردَّ السيفَ عن عَوْرَاتِ الدِّرع وهي فُرَجُها كلُّ حِرْباء ، وهو المِسْمار الذي يُسَمّر به حَلْقُها. ورواه غيره :
أحكم الجِنْثِيُّ من عَوْراتِها |
كُل حِرباء ... |
المعنى أحرَزَ الجِنْثِيُّ وهو الزَّرَّاد مساميرها ومعنى الإحكام حينئذٍ الإحْرازُ.
وأخبرني المُنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال : حَكَم فلانٌ عن الشيء أي رجع ، وأحْكَمْتُه أنا أي رَجَعْتُه قلتُ : جعل ابن الأعرابي حكم لازماً كما ترى كما يقال : رَجَعتُه فرجعَ ونقصتُه فنقصَ ، وما سمعت حكم بمعنى رجع لغير ابن الأعرابي ، وهو الثِّقَةُ المأمون.
أبو عُبيد : عن أبي عُبيدة : حَكَمتُ الفرس وأَحْكمتُه بالْحكَمة ، وروينا عن إبراهيم النَّخَعِي أنه قال : حكِّم اليتيم كما تُحكِّم وَلَدَك.
قال أبو عُبيد : قوله : حَكِّم اليتيم أي امْنَعْه من الفساد وأصلِحْه كما تُصْلِح ولدَك وكما تمنعه من الفساد.
قال : وكلُّ مَنْ منعتَه من شيء فقد حَكّمْتَه وأَحْكَمْتَه.
قال جرير :
بني حنيفة أَحْكِمُوا سُفهاءَكم |
إنِّي أَخَافُ عليكم أنْ أَغْضبا |
يقول : امْنَعوهم من التعرُّض.
قال : ونَرى أنَ حَكَمَة الدابة سُمِّيت بهذا المعنى : لأنها تمنع الدابة من كثير من الجهل.
وأما قول الله جلّ وعزّ : (الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) [هُود : ١] فإن التفسير جاء أنه أُحْكِمَت آياته