يتيسر الوصول إليها لقطر من أقطار العالم كله. ولما كانت جميع الأقطار تنمحق تحت ظلام كابوس الجهالة فالخطة العراقية كانت إذ ذاك مستغرقة بأنوار الفنون والعلوم ، مشرقة عليها الأشعة المختلفة حتى بدت كأنها روضة غناء ولذلك تركت أنظار العالم معطوفة محتارة بالتدقيق على ما يعود لذلك الزمان.
فالذي أوجد الساعة لتنظيم أوقات البشر ، والذي أثبت كروية الأرض ، والذي عيّن دائرة نصف النهار ، ومن خلّد آثارا كثيرة بحيث لا تعد ولا تحصى في الطب والفلسفة ، والأدب والعلوم الرياضية والهيئة هم علماء الإسلام الذين كانوا قد نشأوا بهذه الخطة وتنفسوا بهوائها واصطلوا بذكائها ، وارتووا بمائها ، وانتعشوا بما استحضرت هذه الخطة لعالم البشر من المواد الطبيعية فيها.
ولكن الذي يؤسف له هو أن الأخلاف الذين نشأوا بعد ذلك لما أهملوا أمر اقتفاء أثر أسلافهم المبجلين أخذت تلك الشمس المشرقة بالعلوم والفضائل بالتضاؤل شيئا فشيئا حتى أفلت (١) ، فاضمحل ما كان بأيديهم من الثراء والغناء ، واستولى عليهم الجهل وبدلوا الحضارة بالبداوة ، والاجتماع بالتفرق والتشتت ، وتعوضوا عن الهدوء والراحة بالفتن. فمن يقول بأن خراب المملكة بالحاضر هو ناشىء من ال ٣٣ سنة التي هي الدور الحميدي ، ويعطفه على ذلك الزمن لم يك صادقا في دعواه إذ قد ابتدأ انحطاط الخطة العراقية منذ خمسمائة سنة أو ستمائة تقريبا غير أن الدور الحميدي أوصله غايته ، وأبلغه نهايته ، مع ما فيه أيها السادة فالملّة بحمد الله لما استردت حقوقها بعد هذا الانقلاب الأخير ، وتأسست حكومتنا المشروعة والمشروطة فكما أن الخطة العراقية هي
__________________
(١) أفلت بسبب ما رأت من أطماع وقسوة من أقوام عديدة وهذه ولدت الخمول والأفول. وسلبت ما كان بأيديهم ، فدعا أن يستولي الجهل.