وأقمار العدل إذ أفل أوافل. أدرك شمس أبهته الميل بعد الاعتدال ، وانحطت بعد غاية الارتفاع إلى الزوال ، فبكى عليه أهل بغداد والبصرة ، وتزفروا لمصابه زفرة بعد زفرة ، لكونه في مكان من الإنصاف ، وعلى سمت لا يوصم بالانحراف ، ومن مراعاة الأفاضل والجريان ، على منهاج الأماثل ، في مكان. لا يطاوله فيه مطاول ، أبطل كثيرا من عوائد ذميمة ، وأعمل فكره فيما يوجب الفضل تقديمه. فقد منع القضاة مما يوبقهم في النار ، وفطمهم عن ارتكاب ما فيه شنار.
وقد ذكر لي محمد أمين مفتي الحلة ، من فضله الذي لا يكون إلا في أشراف الجلة ، أنه سريع الفهم للأبحاث العلمية ، خصوصا في العلوم الحديثة ، مع أنه ما قرأ إلا القليل ، فرحمه الله وأسبغ ظله الظليل» اه (١).
وقال في تاريخ الكولات :
«إن الوزير في حد ذاته ذو أخلاق حسنة ، وعدل ، وهو صاحب إنصاف ومروءة ، متشرع وذو دين ، حليم كريم ، وممن شعارهم العاطفة ... ألغى رسوم التحصيلية ، وخدمة المباشرية ، والمصادرات ، وضبط المخلفات وأمثال ذلك من الرسوم القديمة والحادثة ، ومنع من كافة العقوبات ما عدا الإعدام ، وفي كل أحواله وأعماله مراع أحكام الشرع الشريف ، حتى أنه عين لقضاة بغداد وللنواب والقضاة الآخرين رواتب من الخزانة بدل حاصلاتهم ومعيناتهم. ومن العجائب أن تلغى هذه الرسوم وتبطل واردات أساسية ، وترفع الغرامات والعقوبات المغايرة للشريعة المطهرة والتعذيب ، والسخر والأذيات ... ومع هذا تتزايد الأموال الأميرية فتبلغ الواردات أضعاف ما تقدمها. وكذا أزال من البين
__________________
(١) مطالع السعود ص ١٩٣.