فأحبّ أن يعظه في رفق ، فقال : يا بُني ، ما أقدرك على أن تصير إلى حاجتك من غير تهتّك يذهب بمروءتك وقدرك. وأنشده :
انصب نهاراً في طلابِ العُلا |
|
واصبر على هجرِ الحبيبِ القريب |
حتى إذا الليلُ أتى بالدجى |
|
واكتحلت بالغمضِ عينُ الرقيب |
فباشرِ الليلَ بما تشتهي |
|
فإنّما الليلُ نهارُ الأريب |
كم فاسقٍ تحسبهُ ناسكاً |
|
قد باشرَ الليلَ بأمرٍ عجيب |
قال سبط ابن الجوزي (١) : لهذا تطرق إلى هذه الأمّة العارُ بولايته عليها حتّى قال أبو العلاء المعرّي :
أرى الأيامَ تفعلُ كلّ نكرٍ |
|
فما أنا في العجائبِ مستزيدُ |
أليسَ قريشكمْ قتلت حسيناً |
|
وكانَ على خلافتكم يزيدُ (٢) |
قال سبط ابن الجوزي (٣) : قلت : ولمّا لعنه جدّي أبو الفرج على المنبر ببغداد بحضرة الإمام الناصر وأكابر العلماء قام جماعة من الجفاة من مجلسه ، فقال : جدّي : (أَلاَ بُعْداً لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ) (٤). وحكى لي بعض أشياخنا عن ذلك اليوم أنّ جماعة سألوا جدّي عن يزيد ، فقال : ما تقولون في رجل ولّى ثلاث سنين ؛ في السنّة الأولى قتل الحسين (عليه السّلام) ، وفي الثانية أخاف المدينة وأباحها (٥) ، وفي الثالثة رمى الكعبة بالمجانيق وهدمها (٦)؟ فقالوا : نلعنه.
__________________
(١ ، ٢ ، ٣) انظر سبط ابن الجوزي ـ التذكرة ـ ص ١٦٤.
(٤) سورة هود ص ٩٥.
(٥) أشار إلى واقعة الحرّة. ذكر المدايني في كتاب الحرّة عن الزهري قال : كان القتلى يوم الحرّة سبعمئة من وجوه الناس ؛ من قريش ، والأنصار ، والمهاجرين ، ووجوه الموالي. وأمّا مَنْ لم يُعرف من عبد أو حرّ أو امرأة فعشرة آلاف ، وخاض الناس في الدماء إلى قبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومنبره والسيف يعمل فيهم. وعن أبي قرّة قال : قال هشام بن حسّان : ولدت ألف امرأة بعد وقعة الحرّة من غير زوج. وقال المدائني : عشرة آلاف امرأة. وكانت وقعة الحرّة سنة ثلاث وستين في ذي الحجّة من الأشهر الحرم.
(٦) إشارة إلى ما فعله الحصين بن نمير ، فإنّه رمى الكعبة بالمجانيق