أعطِ ابنك هذه الأثواب الخمسة ليعمل في فكاك أخيه». وكان قيمتها ألف دينار (١). ولمّا تحقّق الحسين منهم الإخلاص ، وعلم منهم التوطّن على المفادات دونه أوقفهم على حقيقة ما عنده ، وأخبرهم بعزمه على منازلة القوم ، ثمّ صار يوضّح لهم ما يجري عليه من القتل ، فصاحوا بأجمعهم صيحة واحدة : الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك ، وشرّفنا بالقتل معك ، أو لا ترضى أن نكون معك في درجتك يابن رسول الله؟ قال أرباب السير : فدعا لهم الحسين بالخير (٢) ، وكشف لهم عن أبصارهم فرأوا ما حباهم الله من نعيم الجنة ، وعرفهم منازلهم فيها (٣) ، وليس ذلك على الله بعزيز ، ولا في تصرّفات الإمام بغريب (٤) ؛ فإنّ سحرة فرعون لمّا آمنوا بموسى (عليه السّلام) وأراد فرعون قتلهم أراهم النبي موسى منازلهم في الجنة ، فهم كما وصفهم المرحوم كاشف الغطاء (٥) بقوله :
وأتت بنو حربٍ ترومُ ودون ما |
|
رامت تخرُّ من السما طبقاتُها |
رامت بأن تعنو لها سفهاً وهل |
|
تعنو لشرِّ عبيدها ساداتُها |
وتسومها إمّا الخضوعَ أو الردى |
|
عزّاً وهل غيرُ الإباءِ سماتُها |
فأبوا وهل من عزّةٍ أو ذلّةٍ |
|
إلاّ وهم آباؤها وأُباتُها |
وتقحّموا ليلَ الحروبِ فأشرقت |
|
بوجوهِهم وسيوفِهم ظلماتُها |
وبدت علوج امية فتعرضت |
|
للاسد في يوم الهياج شياتها |
تعدوا لها فتميتُها رعباً وذا |
|
يومُ اللقا بعداتِها عاداتُها |
فتخرُّ بعد قلوبِها أذقانُها |
|
وتفرُّ قبلَ جسومِها هاماتُها |
وباُسرتي من آلِ أحمدَ فتيةٌ |
|
صينت ببذلِ نفوسِها فتيانُها |
__________________
(١) انظر السيد علي بن طاووس ـ اللهوف ـ ص ٥٣.
(٢) انظر الشيخ عباس القمي ـ نفس المهموم ـ.
(٣) انظر الراوندي ـ الخرائج والجرائح ـ.
(٤) انظر علي بن الحسين المسعودي ـ أخبار الزمان ـ ص ٢٤٧.
(٥) هو المغفور له الحجّة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء ، من مجموعة بخطّه.