الكتاب بالإنسان وأضمر التشبيه في النفس ، فلم يذكر سوى المشبه خاصة ، وهو الضمير المضاف إليه دعوة. وهذا هو الاستعارة المكني عنها ، ودل على أن مراده التشبيه المذكور بإثبات شيء من خصائص المشبه به للمشبه ، وهو الدعوة التي لا تكون إلا للإنسان. وهذا هو الاستعارة التخييلية.
ويجوز أن يجعل ما اشتمل عليه الكتاب : من حسن الاختيار ، وجودة السبك ، وكثرة المسائل ، وتبريزه على غيره من الكتب المختصرة في جذب النفوس إليه ، واستمالة الأهواء نحوه ـ مشبها بدعوة إنسان ذي كمال يدعو الناس إلى الاشتمال عليه ؛ فتكون الاستعارة حينئذ تخييلية ، ثم يكون قوله : يلبي ، ترشيحا لها ؛ لأنه قرنها بما يلائم المستعار منه.
(وتجتنب منابذته النّجباء) الاجتناب : الترك. والنبذ : الإلقاء من اليد ، ومنه المنبوذ للصبي تلقيه أمه في الطريق ، والمنابذة : مفاعلة من : تنابذوا الأمر ، إذا ألقاه كل منهم على الآخر ؛ تنكبا عنه وإعراضا.
والنجابة : الكرم والرشد في الأفعال. والنجيب : البيّن النجابة ، والمعنى : وتترك الرغبة عنه النجباء أي : المتّسمون بسمات الفلاح.
(ويعترف العارفون برشد المغرى بتحصيله) الرشد : ضد الغي ، والمغرى : اسم مفعول من أغري بكذا إذا ألصق به والمراد به هنا العاكف على الشيء الملازم الذي هو كاللاصق بالشيء العكوف عليه. ومثل : ويعترف العارفون ، مما ألحق عند علماء البديع بالجناس ؛ لاشتراك اعترف وعارف ، في الحروف الأصول. ومنه قوله تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ)(١).
(وتأتلف قلوبهم على تقديمه وتفضيله) ، وتأتلف أي : وتجتمع قلوبهم ، وتتفق على أن محصله ذو [١ / ٧] تقدم وفضل.
(فليثق متأمّله ببلوغ أمله) هذا منه ترغيب في الاشتغال بهذا الكتاب ، وتطييب لنفس العاكف عليه ووعد له بحصول مقصوده من هذا العلم ؛ لأن
__________________
(١) سورة الروم : ٤٣.