أي : أنا لا أقبل منك. ثم لو قلنا إن الكاف هاهنا زائدة لما امتنع ؛ لأن دخول الكاف هاهنا كخروجها ، ألا ترى أن معنى «ليس كمثله شيء» ومعنى «ليس مثله شيء» واحد. وكذلك الكاف في قوله : كهيّن ، وقول الراجز :
* لواحق الأقراب فيها كالمقق* [١٨٤]
بخلاف الكاف في «كم» فإن الكاف في كم ليس دخولها كخروجها ، بل لو قدّرنا حذفها من الكلام لاختلّ معناها ولم تحصل الفائدة بها ، ألا ترى أن قولك «ما مالك» لا يفيد ما يفيد قولك «كم مالك» فدلّ على الفرق بينهما ، والله أعلم.
______________________________________________________
بصفاتك ، وقد جرت عادة العرب في كلامهم أنهم يكنون بهذه العبارة عن معنى «أنا لا أقبل منك» قال ابن هشام في المغني (ص ١٧٩) : «ولأنهم إذا بالغوا في نفي الفعل عن أحد قالوا «مثلك لا يفعل كذا» ومرادهم إنما هو النفي عن ذاته ، ولكنهم إذا نفوه عمن هو على أخص أوصافه فقد نفوه عنه» اه. وقال الخطيب القزويني في الإيضاح (ص ٣٢٥ بتحقيقنا) وهو يمثل للكناية : «وكقولهم مثلك لا يبخل. قال الزمخشري : نفوا البخل عن مثله وهم يريدون نفيه عن ذاته ، قصدوا المبالغة في ذلك فسلكوا به طريق الكناية ؛ لأنهم إذا نفوه عمن هو على أخص أوصافه فقد نفوه عنه» وأقول : إن العرب تسلك سبيل الكناية بلفظ مثل ولفظ غير فيقولون : مثلك يرعى الحق ، ومثلك يعرف الفضل لذويه ، ومثلك لا يغضي على القذى ، ومثلك يؤدي الواجب ، ومنه قول الشاعر :
مثلك يثني المزن عن صوبه |
|
ويسترد الدمع من غربه |
وقالوا : غيري يخوف بالتهديد ، وغيري يقنع باليسير ، وغيري يفعل كذا ، وهم يريدون أنا لا أخوف بالتهديد ، وأنا لا أقنع باليسير ، وأنا لا أفعل كذا ، ومنه قول الشاعر وهو المتنبي :
غيري بأكثر هذا الناس ينخدع |
|
إن قاتلوا جبنوا أو حدثوا شجعوا |
وكذلك قول الآخر ، وهو أبو تمام :
وغيري يأكل المعروف سحتا |
|
وتشحب عنده بيض الأيادي |
وقد سبقهما إلى مثل ذلك عنترة بن شداد العبسي في قوله :
سواي يهاب الموت أو يرهب الردى |
|
وغيري يهوى أن يعيش مخلدا |
وهذا أبلغ من أن يقول : أنا لا أهاب الموت ، وأنا لا آكل المعروف سحتا ، وأنا لا أنخدع بأكثر الناس ، أما أن المراد بهذا الكلام ما ذكرناه فقد أوضحه الشاعر في قوله :
ولم أقل مثلك أعني به |
|
سواك ، يا فردا بلا مشبه |
وأما أنه أبلغ مما لو صرحت بالضمير المنفصل وحذفت المثل والغير فلأنه كناية ، والكناية ـ كما هو مقرر ـ أبلغ من التصريح ؛ لأنها تساوي عند التحقيق ذكرى الدعوى مع إقامة البينة عليها.