ـ وهو ممن خالف اجتهادات عمر ـ كان لا يرى المسح على الخفّين ، لأنّه كان قد سمع الحديث عن رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله في أنّ المسح على الخفين غير جائز ، وأنّ الوضوء لا يعدّ وضوءا مع المسح على الخفين ، وأنّ سورة المائدة جاءت بالوضوء الذي يمسح فيه على القدمين لا على الخفين ، وهو وإن قيل عنه أنّه ما مات حتى وافق الناس ورجع إلى جواز المسح على الخفين ، إلّا أنّ المهم هو ثبوت كونه من مانعي المسح على الخفين في حياة أبيه ، فموقفه الوضوئي آن ذاك لا يمكن التغاضي عنه مع ما صدر منه من مواقف في الدفاع عن كثير من الأحكام الثابتة ، ووقوفه ضدّ اجتهادات أبيه (١).
وهنا تتأكّد أصالة النهج الوضوئي وأحقّيّته ، ولا يهمنا بعد ذلك أن يكون ابن عمر رجع وقال بالمسح على الخفين أم لم يرجع ، وإن ذلك ليرجع إلى الظروف التي كان يعيشها ، إذ عرف عنه عدم استقراره في مواقفه السياسية ، لأنّه قد صار في أواخر عمره تبعا للسلطات الأموية.
لكنّ الحقّ أنّ نهج التعبّد المحض والتحديث أخذ ينشط ويعمل بكلّ دأب وجدّ في زمن خلافة علي بن أبي طالب ، لذلك نرى كتاب علي إلى محمد بن أبي بكر ـ وإليه على مصر ـ وسائر مواقفه الوضوئية والفقهية الأخرى ، تؤكد على كثير من الأحكام الشرعية التي كانت من البداهة بمكان ، ومن جملتها الوضوء الثنائي المسحي ، والصلاة وغيرها من بديهيات الأحكام الشرعية ، وعليّ هو رائد مدرسة التعبّد والدعوة لفتح باب التدوين والتحديث.
نعم ، جدّ عليّ ليمحو الآثار الّتي خلّفتها الحكومات التي سبقته ، بسبب اجتهاداتها المتكررة ، فراح يؤكّد على ضرورة اتّباع نهج التعبد ، واتّباع خطى رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله في أحكامه وأفعاله.
فالوضوء إذن ، لا يمكن تفكيكه عن مسألة التحديث والتدوين ، ولا مسألة الاجتهاد والتعبد بحال من الأحوال ، لأنّ روّاد التعبد المحض هم رواد الوضوء
__________________
(١) انظر منع تدوين الحديث ، لنا : ٢٥٦.