وهذا هو الذي سوّغ لعمر أن يعاقب ـ وبجرأة ـ من يتحدث عن النبي صلىاللهعليهوآله ، وسهّل من بعده لعثمان أن يتجاهل الأحاديث الوضوئية الصحيحة عن رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله بقوله : «يتحدّثون بأحاديث لا أدري ما هي؟!» نعم ، أنكرها عثمان وكأنه لم يسمعها من قبل ، ولا رأى النبي صلىاللهعليهوآله يحدّث بها ويفعلها طول عمره المبارك الشريف!! وقد استمرّ عثمان أيضا بالنهي عن التحديث والفتيا ، فصار أبو ذر وابن مسعود وعمّار بن ياسر وأمثالهم في أشدّ المضايقة ، وأقسى الضغوط ، لأنّهم لم يلتزموا بالمنع الحكومي ، حتّى وصل الأمر بالحجّاج بن يوسف الثقفي أن يختم في يد جابر بن عبد اللّٰه الأنصاري وفي عنق سهل بن سعد الساعدي [الأنصاري] وأنس بن مالك [الأنصاري] ، يريد إذلالهم ، وأن يتجنّبهم الناس ولا يسمعوا منهم (١). وفي كتاب (المحن) لأبي العرب التميمي : أن الحجّاج ختم يد الحسن البصري وابن سيرين (٢) كذلك.
إذن ، لم يكن التيار الفكريّ الفقهيّ المعارض لوضوء عثمان تيارا طارئا ولا حدثا عابرا ، بل كان امتدادا طبيعا لخط التحديث ، المعارض للرأي والاجتهاد.
فـ «الناس» المقصودون في أحاديث عثمان الوضوئية ـ ولا ريب ـ هم أنفسهم أو هم امتداد للصحابة الكبار المعارضين لمنع التحديث والتدوين ، وهؤلاء هم الذين يرون أنّ الأحكام توقيفية لا يمكن تجاوزها بالزيادة والنقصان ، فلا مجال للاجتهاد والرأي فيها خصوصا مع وجود النص القرآني والسنة النبوية المباركة.
وستعلم لاحقا أنّ أصحاب المدوّنات كانوا من أتباع وأنصار الوضوء الثنائي المسحي ، أو أنهم لم يكونوا من أنصار الوضوء الثلاثي الغسلي على الأقلّ ، وهذه مسألة تؤكّد الترابط بين المدونين ونهج التعبد في الوضوء من جهة ، وبين مانعي التدوين وخط الاجتهاد والرأي في الوضوء من جهة أخرى ، حتّى أن عبد اللّٰه بن عمر
__________________
(١) أسد الغابة ، لابن الأثير ٢ : ٤٧٢ في ترجمة سهل بن سعد الساعدي.
(٢) كتاب المحن : ٤٢٨ ـ ٤٢٩ كما في الفكر الأصولي لعبد المجيد الصغير.