تلقّيهم إياه عن النبيّ صلىاللهعليهوآله.
ومبالغة في تثبيت الوضوء المدّعى نسبوا إلى إعلام الماسحين كعلي وابن عباس وأنس أنّهم كانوا يثلّثون الغسلات ، أو يغسلون الأرجل أو .. ليبعدوا عن أنفسهم شبهة الابتداع ، وقاموا في هذا السبيل أيضا بمنع التدوين ، حتّى جاء عمر بن عبد العزيز ليأمر بتدوين تلك الأحاديث وليعمّم كتابا إلى الافاق يأمرهم فيه بالأخذ عن ابن شهاب الزهري ، معلّلا ذلك بأنهم لا يجدون أعلم منه ، وقد سخّروا رجاء بن حياة ـ المعدود من أفقه فقهاء الشام ـ ليرشد الناس ويفتيهم بآراء عبد الملك بن مروان (١) ، ومثله جاء عن عبد اللّٰه بن عمر (٢) ودفعه الناس للأخذ عن عبد الملك.
وكان أبو هريرة من الداعين للسكوت عن ظلم الأمويين (٣) ، وكانت عائشة أفقه الناس وأحسنهم رأيا في العامّة (٤) وو وكل هذا جاء لتضعيف معالم فقه التعبد المحض وتحريف الوضوء النبوي ، ومن أجله رأينا ازدياد عدد المؤيّدين لوضوء الدولة في هذه الحقيقة بعد أن كانت الكفّة في زمان عثمان وقبله راجحة للوضوء الثنائي المسحي ، ولكن بقي ـ رغم كل جهود الدولة الأموية ـ تابعون قائلون بالوضوء المسحي ، من أمثال عروة بن الزبير ، والحسن البصري وإبراهيم النخعي ، والشعبي ، وعكرمة ، وعلقمة بن قيس ، والإمام الباقر ، والإمام الصادق ، وغيرهم ممن يعلمهم المتتبع.
فالأمويون لم يتمكنوا من مجابهة الوضوء المسحي ـ وإن كانوا هم دعاة للوضوء الغسلي ـ ولا نرى التقية تعمل في الوضوء عند أئمة أهل البيت حتى أواخر عهد الأمويين ، ومن يراجع مرويات الباقر في الكتب الحديثية الأربعة عند الشيعة ، يجد الإمام يصف وضوء رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله وهو غير مكترث بما قيل أو يقال.
__________________
(١) انظر تهذيب الكمال ٩ : ١٥٤.
(٢) انظر تهذيب التهذيب ٦ : ٤٢٢ ، تهذيب الكمال ١٨ : ٤١٠ ، تاريخ بغداد ١٠ : ٣٨٩ ، المنتظم ٦ : ٣٩.
(٣) انظر كتاب الأموال : ٤١٢ ، والشعر والشعراء : ٣٩٢.
(٤) انظر وضوء النبي صلىاللهعليهوآله (المدخل) : ٢٣٤.