الوضوء الثلاثي الجديد ، وللإجابة عن ذلك رأينا أوّلا أن ننظر في سبب مقتله ، لأننا توصلنا إلى أنّ السبب الأكبر الذي دعا قاتليه إلى قتله هو إحداثاته في الدين ، لا مجرّد تصرّفاته وسوء سياسته المالية والإدارية ، وذلك من خلال ملاحظة القضايا الرئيسية التالية :
١ ـ إن طلحة والزبير كانا من أوائل المؤلّبين عليه والمفتين بقتله ، مع أنّ عثمان أغدق عليهما الأموال بشكل عجيب (١) ، وكذلك الأمر بالنسبة لعبد الرحمن بن عوف (٢) ، مضافا إلى وعد عثمان إياه بالخلافة (٣) ، وهكذا كان عثمان يغدق الأموال على باقي الصحابة ـ إلّا نفرا يسيرا ـ فمن غير المنطقي أن يقتلوه لإيثاره أقرباءه فقط مع حصولهم على نصيب وافر من المال ، بل هناك أسباب دينية وابتداعات جعلتهم يقتلونه ـ ربّما يكون بعضها في المكاتبات التي كره الطبري ذكرها (٤) ، وربّما كانت من الأسباب التي جعلها الناس ذريعة إلى قتله ، والتي ترك ابن الأثير ذكر كثير منها (٥).
٢ ـ إنّ سياسة عثمان الماليّة الطبقية كانت تستوجب عزله لا قتله (٦) ، وبما أنّ الصحابة بين قاتل وخاذل له ـ حسب تعبير ابن عمر ـ كان لا بدّ من وجود سبب مبيح لدمه ، ولعله الأحداث في الدين لا في التصرفات الخارجية حسب.
__________________
(١) فقد وهب لطلحة خمسين ألفا كما في الطبري ٤ : ٤٠٥ ، ووصله بمائتي ألف وكثرت مواشية وعبيده ، وقد بلغت غلته من العراق وحدها الف دينار يوميا ، ولمّا مات كانت تركته ثلاثين مليونا من الدراهم ، وكان النقد منها مليونين ومائتي ألف درهم ومائتي ألف دينار. وانظر في أموال الزبير وضخامتها كتاب الفتنة الكبرى ١ : ١٤٧.
(٢) كانت أموال ابن عوف الف بعير ومائه فرس وعشرة آلاف شاة وأرضا كانت تزرع على عشرين ناضحا. انظر مروج الذهب ٢ : ٣٣٣.
(٣) حيث قال له علي يوم السقيفة : واللّٰه ما رجوت منه إلّا ما رجا هو من صاحبه دق اللّٰه بينكما عطر منشم.
(٤) انظر تاريخ الطبري ٤ : ٥٥٧.
(٥) انظر الكامل في التاريخ ٣ : ١٦٧.
(٦) الكامل في التاريخ ٣ : ١٦٧.