لاجتهاده ورأيه ، وقد مر عليك قبل قليل كلام الخليفة الأول (إنكم تحدثون عن رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله أحاديث تختلفون فيها ، والناس بعدكم أشدّ اختلافا ، فلا تحدّثوا عن رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله شيئا) وقول عمر بن الخطّاب (فلا يبقين أحد عنده كتاب إلّا أتاني به فأرى فيه رأيي).
فهذه النصوص توضّح بأنّ الشيخين لم يرتضيا التدوين والتحديث عن رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله ، وأن الناس قد كرهوا التدوين ، لكراهة الشيخين له ، ثمّ أحبّوه لحب عمر بن عبد العزيز له ، فقال الزهري : (كنا نكره التدوين حتّى أكرهنا السلطان ـ ويعني به عمر بن عبد العزيز ـ على ذلك و ..)
فالنهي إذا لم يكن نهيا شرعيا عن رسول اللّٰه ، بل الاتجاه الفقهي للاجتهاد والرأي في الأزمنة اللاحقة هو الذي أراد تحديد الحديث عن رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله بما عمل به في عهد أبي بكر وعمر لا غير.
فقد جاء في الطبقات الكبرى لابن سعد ومسند أحمد : أنّ محمود بن لبيد قال : سمعت عثمان على المنبر يقول : لا يحلّ لأحد أن يروي حديثا عن رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله لم يسمع به في عهد أبي بكر ولا عهد عمر (١).
وعن معاوية قوله : أيّها الناس! أقلّوا الرواية عن رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله ، إن كنتم تحدّثون فحدّثوا بما كان يتحدّث به في عهد عمر (٢).
وفي رواية ابن عساكر : إيّاكم والأحاديث عن رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله إلّا حديثا ذكر على عهد عمر (٣).
وهذه النصوص ـ عن هؤلاء الخلفاء ـ تؤكّد مدّعانا ، حيث ترى عثمان ومعاوية يؤكدان على عدم جواز نقل حديث لم يسمع به على عهد أبي بكر وعمر ، وهذا معناه إقرارهم لما شرّع وعمل به في عهدهما والنهي عما نهيا عنه دون النظر إلى أصل الحديث صحّة وسقما ، وصدوره عن النبي.
والباحث في الفقه الإسلامي يوافقنا فيما قلناه لأنّه غالبا ما يرى أنّ الفقه
__________________
(١) الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ : ٣٣٦ ، وعنه في السنة قبل التدوين : ٩٧.
(٢) كنز العمال ١ : ٢٩١.
(٣) تاريخ دمشق ٣ : ١٦٠.