ابن هرمز (١) ومروان بن الحكم (٢) ومحمد بن سيرين (٣) وعبيد اللّٰه ابن وهب القرشي (٤) وعقبة بن أبي الحسناء (٥).
كل هذه النصوص توضّح بأنّ أمر التدوين كان جائزا على عهد رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله.
لم يحظر من قبله صلىاللهعليهوآله ، بل كان النهي قرارا من الشيخين ، لقول الراوي (بدا له) و (أراد) و (ثمّ كتب في الأمصار) وغير ذلك من العبائر الدالّة على إرادته الخاصّة ورغبته الشخصيّة.
وإذا كان الأمر كذلك فلا بدّ من الوقوف عند أحاديث النهي الصادرة عن رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله لمخالفتها لروح التشريع الإسلامي الدالّة على كسب العلم والحاضّة على الكتابة بقوله تعالى ((فَاكْتُبُوهُ) و (لٰا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ)) و (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) و ..
وعليه ، فيمكن عدّ أحد أسباب اختلاف النقل عن الصحابي الواحد هو محاولة النهج الحاكم إرجاع أحد قولي الصحابي إلى ما قاله الخلفاء وشرّعوه من احكام ، ولا يختصّ مدّعانا هذا بما شرّعه الشيخان ، بل يمكن تعميمه إلى غيرهما من الخلفاء ، كعثمان ومعاوية و .. وحتى لعائشة ولأبي هريرة وغيرهم من أئمّة الفقه الحاكم.
ونحن لو جمعنا هذه المفردات من كتب الفقه والحديث والتفسير لصار مجلدا ضخما ، يوضّح مسار انحراف كمّ ضخم من الأحكام الشرعية التي يعمل عليها كثير من المسلمين اليوم ، وهو ما نحيله على أصحاب الفكر والقلم لدراسته والكتابة فيه.
وبهذا ، فقد عرفنا وجود اتجاهين ، أحدهما يدافع عن قرارات الخليفة ويطلب لكلامه عذرا ، والآخر يصرّ على الأخذ من رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله وما جاء به الوحي لا غير.
وقد سمّينا سابقا الاتجاه الأوّل بأصحاب الرأي والاجتهاد ، والثاني بالتعبد المحض ، وقد كان هذان الاتجاهان على تخالف وتضاد ، فما يذهب اليه الأوّل ينفيه الثاني لعدم تطابقه مع القرآن والسنة النبوية ، وما كان يذهب اليه الثاني لا يعمل به الأوّل لمخالفته
__________________
(١) مسند أحمد ٢ : ٥٣١.
(٢) سير اعلام النبلاء ٢ : ٤٣١ ـ ٤٣٢ ، البداية والنهاية ٨ : ١٠٦.
(٣) تاريخ الفسوي ٣ : ١٤ ب ، الإملاء ١٧٣ ، الجامع كما في الدراسات ١ : ٩٩.
(٤) المجروحين ٢٥٠ ب ، انظر أيضا تهذيب التهذيب ١١ : ٢٥٣ كما في الدراسات ١ : ٩٨.
(٥) الميزان ٣ : ٨٥.