فإذا زكا نفسه وطرح عنها هذه الأغشية وراضها وهذّبها أعدّها لقبول الفيض العلوي ؛ فرأى أول شيء حسن نفسه في حرّيتها واعتلائها وعتاقها عما تعبد غيرها ، وصار إليها من الله نور تصرفها عن كل شيء ويحقّر عندها كل حسن ، فابتهج واغتبط وعزّ عند نفسه وعلا ، ورحم دود هذه الملكوت المرددين في لا شيء ، المتشاجرين عليه ؛ بيناهم في ذلك التخبّط ، إذ صاروا إلى البوار وضلّ عنهم ما كانوا يطلبون ، ورحمهم من حيث [٧٣ آ] هم محفوفون بكل غمّ وخوف وخسار وهمّ ورغبة وشغل في شغل.
(٧٩٨) وذلك بهجة ونور يأتي من عند الله بتوسط نور العقل ، ليس يهدي إليه الفكر والقياس إلا من جهة الإثبات ، وأما من جهة خاص ماهيته وكيفيته فإنما تدل عليه المشاهدة ، ولا ينال تلك المشاهدة إلا من استعد لها بصحة مزاج النفس ، كما أن من لم يذق الحلو فيتصدق بأنه لذيذ بضرب من القياس أو الشهادة ، ولا ينال خاصّة الالتذاذ به إلا بالتطعّم إن كان مستعدا له بصحّة مزاج البدن ، فإن كانت هناك آفة لم يلتذّ بها أيضا ووجدت المشاهدة مخالفة لما وقع به التصديق السالف.
(٧٩٩) موضوع العلم المعروف بما بعد الطبيعة (٢١٩) : «الموجود بما هو موجود» ومطالبه الامور التي تلحقه (٢٢٠) بما هو موجود من (٢٢١) غير شرط. وبعض هذه الامور كالأنواع مثل الجوهر والكمّ والكيف ـ فإن «الموجود» ينقسم إليها أولا ـ وبعض هذه الامور كالعوارض الخاصيّة (٢٢٢) مثل الواحد والكثير (٢٢٣) ، والقوة والفعل ، والكلي والجزئي ، والممكن والواجب. وذلك أنه ليس يحتاج الموجود
__________________
(٢١٩) لر : بعلم ما بعد الطبيعة.
(٢٢٠) لر : تلحقها.
(٢٢١) «من» ساقطة من لر.
(٢٢٢) د ، م : الخاصة.
(٢٢٣) لر : الكثرة.
__________________
(٧٩٩) يوجد في الشفاء : الإلهيات ، م ١ ، ف ٢ ، ص ١٣ ـ ١٥.