(وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) وذلك أن المشركين كانوا معترفين بأن الأصنام ليسوا خالقين وإنما كانوا يقولون إنه تعالى فوض أمور الأرضيات إلى الكواكب التي هذه الأصنام صورها وطوالعها ، فأخبر الله تعالى أنهم لا يملكون قطميرا وهو القشرة الرقيقة للنواة فضلا عما فوقها. قال جار الله : يجوز في حكم الإعراب إيقاع اسم الله تعالى صفة لاسم الإشارة أو عطف بيان و (رَبُّكُمْ) خبرا لو لا أن المعنى يأباه فقيل : لأن ذلك إشارة إلى معلوم سبق ذكره. وكونه صفة أو عطف بيان يقتضي أن يكون فيما سبق ضرب إبهام. قلت : وفيه نظر ، أما أولا فلأن اسم الله من قبيل الأعلام لا من قبيل أسماء الأجناس فكيف يجوز جعله صفة؟ وأما ثانيا فلأنه على تقدير التجويز يكون صفة مدح فلا ينافي كون المشار إليه معلوما. والوجه الصحيح في إباء المعنى هو أن الوصف إذا كان معرفة كان أمرا متحققا في الخارج مسلما عند السامع. مثلا إذا قلت : الرجل الكاتب جاءني. تريد الرجل الذي تعرفه أيها السامع أنه كاتب جاءني لكن الخطاب هاهنا مع الكفار وهم يجحدون المعبود الحق ، أو يجحدون أن العبادة لا تصلح إلا له ، فلا يصح إيقاع اسم الله وصفا لذلكم والخطاب معهم. ثم زاد في توبيخ الكفرة بقوله (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ) لأنهم جماد ولو فرض سماعهم (مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ) لما مرّ من أنهم لا يملكون شيئا (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) أيضا (يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) قائلين ما كنتم إيانا تعبدون (وَلا يُنَبِّئُكَ) أي لا يطلعك على حقيقة الحال أيها النبيّ أو أيها السامع (مِثْلُ خَبِيرٍ) ببواطن الأمور. والمعنى أن هذا الذي أخبرتكم به من حال الأوثان هو الحق لأني خبير بما أخبرت به ولا يخبرك بالأمر مخبر هو مثل عالم به. وفيه أنه الخبير بالأمر وحده ، وفيه أن هذا الخبر مما لا يعرف بمجرد المعقول لو لا إخبار الله سبحانه.
ثم بين أن نفع العبادة إنما يعود على المكلفين فقال (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ) ومعنى تعريف الخبر القصد إلى أنهم جنس الفقراء مبالغة ، وذلك أن افتقار الإنسان إلى الله عاجلا لأمور المعاش وآجلا لنعيم الآخرة أبين من افتقار سائر المخلوقين إليه. وقيل : إن كون الناس فقراء أمر ظاهر لا يخفى على أحد فلهذا عرف كقول القائل : الله ربنا ومحمد نبينا. ثم بين أن فقرهم ليس إلا إلى الله فقابل الفقراء بقوله (وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُ) وقابل قوله (إِلَى اللهِ) بقوله (الْحَمِيدُ) لأنه إذا أنعم عليهم استحق الحمد منهم. ثم ذكر أنه غني عن وجودهم أيضا لا يفتقر في ظهور أثر قدرته إليهم فقال (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) وقد مرّ في «النساء» وفي «إبراهيم». وحين بين الحق بالدلائل الباهرة أراد أن يذكر ما يدعوهم إلى النظر فيه فقال (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ) يعني أن النفوس الوازرات لا ترى واحدة منهن إلا حاملة وزرها لا وزر