أشار بها إلى مكرات قريش المذكورات في قوله (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ) [الأنفال : ٣٠] جمع الله مكراتهم فقلبها عليهم حين أوقعهم في قليب بدر. ولما ذكر دليل الآفاق أكده بدليل الأنفس قائلا (وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) وفيه إشارة إلى خلق آدم (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) وفيه إشارة إلى خلق أولاده. ومعنى (أَزْواجاً) أصنافا أو ذكرانا وإناثا. ثم أشار إلى كمال علمه بقوله (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) ثم بين نفوذ إرادته بقوله (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ) قال جار الله : معناه من أحد ولكنه سماه معمرا باعتبار ما يؤل إليه. وليس المراد تعاقب التعمير وخلافه على شخص واحد وإنما المراد تعاقبهما على شخصين فتسومح في اللفظ تعويلا على فهم السامع كقول القائل : ما تنعمت بكذا ولا اجتويته إلا قل فيه ثوائي. وتأويل آخر وهو أن يراد لا يطول عمر إنسان ولا ينقص من عمر ذلك الإنسان بعينه (إِلَّا فِي كِتابٍ) وصورته أن يكتب في اللوح إن حج أو وصل الرحم فعمره أربعون سنة ، وإن جمع بين الأمرين فعمره ستون ، فإذا جمع بينهما فعمر ستين كان الغاية ، وإذا أفرد فعمر أربعين فقد نقص من تلك الغاية. وبهذا التأويل يستبين معنى ما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال «إن الصدقة والصلة تعمران الديار وتزيدان في الأعمار». ويصح ما استفاض على الألسن «أطال الله بقاءك». وعن سعيد بن جبير يكتب في الصحيفة أن عمره كذا سنة ، ثم يكتب بعد ذلك في آخرها ذهب يوم ذهب يومان حتى تنقضي المدّة. وعن قتادة : المعمر من بلغ ستين ، والمنقوص من عمره من يموت قبل الستين. وذلك في علم الله. (إِنَّ ذلِكَ) الذي ذكر من خلق الإنسان من المادة المذكورة أو الزيادة في الأعمار أو النقصان منها (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ). ثم ضرب مثلا للمؤمن والكافر وذكر دليلا آخر على عظم قدرته فقال (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ) الآية. على الأوّل يكون قوله (وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ) إلى آخر الآية تقريرا للنعمة على سبيل الاستطراد ، أو هو من تمام التشبيه كأنه شبه الجنسين بالبحرين. ثم فضل البحر الأجاج على الكافر لأنه شارك العذب في استخراج السمك واللؤلؤ وجرى الفلك فيه ، وأما الكافر فلا نفع فيه البتة فيكون كقوله في البقرة (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ) إلى آخر قوله و (إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) [الآية : ٧٤] والأشبه أن الآية تقرير دليل مستأنف كما مرّ في أوّل «النحل» يؤيده تعقيبه بدليل آخر وهو قوله (يُولِجُ اللَّيْلَ) إلى قوله (لِأَجَلٍ مُسَمًّى) قد مرّ في آخر «لقمان» مثله ، وفيه ردّ على عبدة الكواكب الذين ينسبون حوادث هذا العالم إلى الكواكب بالذات لا إلى تسخير مبدعها. قوله (ذلِكُمُ اللهُ) أي الذي فعل الأشياء المذكورة من فطر السموات والأرض وإرسال الرياح وخلق الإنسان من التراب وغير ذلك هو المعبود الحق. وقوله (رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ) خبران آخران ، ويجوز أن يكون (اللهُ رَبُّكُمْ) خبرين و (لَهُ الْمُلْكُ) جملة مبتدأة واقعة في طبقات. قوله