ساءَ ما يَزِرُونَ) بئس شيئا يزرون وزرهم.
ثم رغب في الحياة الباقية وزهد في الحياة العاجلة فقال (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) قال ابن عباس : يريد حياة أهل الشرك والنفاق لأن حياة المؤمن تحصل فيها أعمال صالحة فلا تكون لعبا ولهوا. وقال آخرون : هو عام في حياة المؤمن والكافر وذلك أن مدة اللهو واللعب وكل شيء يلهيك ويشغلك مما لا أصل له قليلة سريعة الانقضاء والزوال ، ومدة هذه الحياة كذلك. وأيضا اللعب واللهو لا بد أن يتناهيا في أكثر الأمر إلى شيء من المكاره ولذات الدنيا كذلك ، ولهذا رفضها العلماء المحققون والحكماء المتألهون. (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ) قال ابن عباس : هي الجنة وإنها خير لمن اتقى الكفر والمعاصي. وقال الأصم : التمسك بعمل الآخرة خير. وقال الآخرون : نعيم الآخرة خير من نعيم الدنيا من حيث إنها دائمة باقية مصونة عن شوائب الآفات والمخافات ، آمنة من نقص الانقضاء والانقراض (لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) فيه أن هذه الخيرية إنما تحصل لمن اتقى الكفر والمعاصي ، وأما الكافر والفاسق فالدنيا بالنسبة إليهما خير كما قال صلىاللهعليهوسلم «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر» (١). (أَفَلا تَعْقِلُونَ) قال الواحدي : من قرأ بتاء الخطاب فالمعنى قل لهم أفلا تعقلون أيها المخاطبون ، ومن قرأ بالياء فمعناه أفلا يعقل الذين يتقون أن الدار الآخرة خير لهم من هذه الدار؟ وذلك أن خيرات الدنيا ليست إلا قضاء الشهوات التي يشارك فيها سائر الحيوانات ، بل ربما كان أمر تلك الحيوانات فيها أكمل ، فالجمل أكثر أكلا ، والديك والعصفور أكثر وقاعا ، والذئب والنمر والحيات أقوى غضبا وقهرا ، وكل من وقف عمره على هذه المطالب لم يكن له عند العقلاء وزن ولا عند الحكماء والعلماء قدر ، وكل من صرف عمره في تحصيل الكمالات الدائمات والسعادات الباقيات كان له في العيون مهابة وفي القلوب قبول ، وذلك دليل على شهادة الفطرة الأصلية بخساسة اللذات الجسمانية وعلو مرتبة الكمالات الروحانية. وهب أن النوعين تشاركا في الفضل والمنقبة أليس المعلوم أفضل من المظنون وأن خيرات الآخرة معلومة قطعا والوصول إلى خيرات الدنيا في الغد غير معلوم ولا مظنون؟ فكم من سلطان قاهر بكرة صار تحت التراب عشية ، وكم من متمول متغلب أصبح أميرا كبيرا ثم أمسى فقيرا حقيرا. وهب أنه وجد بعد هذا اليوم يوما آخر فلن يمكنه الانتفاع بكل ما جمع من الأسباب ، ولو انتفع فقلما يخلص من شوائب المكاره
__________________
(١) رواه مسلم في كتاب الزهد حديث ١. الترمذي في كتاب الزهد باب ١٦. ابن ماجه في كتاب الزهد باب ٣. أحمد في مسنده (٢ / ١٩٧ ، ٣٢٢ ، ٣٨٩)