والقدر. قال القاضي : لو لا ألطاف الله تعالى ساعة فساعة لما حصلت هذه الأحوال. ونظيره أنه يضاف علم الولد وأدبه إلى أبيه أنه لم يحصل ذلك إلا بمعونة الأب وتربيته ، وأجيب بأنه عدول عن الظاهر والآية صريحة في أن العقائد والإرادات والكراهات كلها بخلق الله تعالى وإيجاده ، اللهم يا مصرف القلوب ومقلبها ثبت قلبي على دينك ووفقني لمتابعة نبيك إنك قادر على ما تشاء ولا يكون إلا ما تشاء.
ثم إنه سبحانه لما وعد نبيه النصر والكفاية عند مخادعة الأعداء وعده النصر والكفاية على الإطلاق فقال (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ) ومحل (وَمَنِ اتَّبَعَكَ) منصوب بمنزلة «زيدا» في قولك «حسبك وزيدا درهم» قال الفراء : وليس بكثير في كلامهم أن يقولوا حسبك وأخيك بل المستعمل أن يقال : حسبك وحسب أخيك بإعادة الجار. فلو كان قوله (وَمَنِ اتَّبَعَكَ) مجرورا لقيل حسبك وحسب من اتبعك. ومعنى الآية كفاك وكفى أتباعك من المؤمنين الله ناصرا. وجوّز أن يكون محل الرفع أي كفاك الله وكفاك المؤمنون فيكون كقوله (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) ويؤكده ما روي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه أسلم مع النبي صلىاللهعليهوسلم ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة ثم أسلم عمر فصاروا أربعين فأنزل الله تعالى الآية. ثم بيّن سبحانه أن كفايته مشروطة بالجد والاجتهاد في الجهاد فقال (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ) والتحريض في اللغة كالتحضيض وهو الحث على الشيء. وذكروا في اشتقاقه أنه من الحرض وهو الإشراف على الهلاك من شدّة الضنى كأنه ينسبه إلى الهلاك لو تخلف عن المأمور ، أو كأنه يأمره أن يبالغ فيه وفي تحصيله حتى يدنو من التلف. وفي قوله (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ) عدّة من الله وبشارة بأن الجماعة من المؤمنين إن صبروا غلبوا عشرة أمثالهم بعون الله وتأييده. واعترض عليه بأنه يلزم منه أن لا يغلب قط مائتان من الكفار عشرين من المؤمنين ، ويمكن أن يجاب بعد تسليم وقوع مثل ذلك أن الخلل لعله يكون من فقدان الشرط وهو الصبر. قال بعض العلماء : هذا خبر في معنى الأمر كقوله (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ) [البقرة : ٢٣٣] (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ) [البقرة : ٢٢٨] بدليل قوله (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ) والنسخ أبدل على رغبتهم في أن يلقوا قبله من تأكيد ضميرهم المتصل بالمنفصل وتعريف الخبر ، أو من جهة تعريف الخبر وإقحام الفصل. قال الفراء : قد جمع بين «إما» و «أن» في هذه الآية بخلاف قوله و (إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) لأن الفعل هاهنا في موضع أمر بالاختيار أعني في موضع نصب كقول القائل : اختر ذا أو ذا. كأنهم قالوا : اختر أن تلقى بخلاف تلك الآية فإن الأمر لا يصلح هناك. قال موسى