لصغرهم ، ثم المساكين الذين هم غير اليتامى ، وأبناء السبيل لأنهم بسبب
الاشتراك في دار الإقامة من أنفسهم ، ثم أبناء السبيل المنقطعون عن بلدهم ومالهم
ما يتبلغون به إلى أوطانهم ، (وَما تَفْعَلُوا مِنْ
خَيْرٍ) من إنفاق شيء من مال بناء على أن الخير هو المال أو من
كل ما يتعلق بالبر والطاعة طلبا لجزيل الثواب وهربا من أليم العقاب. (فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) فيجازيكم أحسن الجزاء. عن السدي : أن الآية منسوخة بفرض
الزكاة. وقال المحققون : ويروى عن الحسن أنها ثابتة ، فقد يكون الإنفاق على الفروع
والأصول واجبا ، ويحتمل أن يكون المراد : من أحب التقرب إلى الله تعالى في باب
النفقة تطوعا فليراع هذا الترتيب.
قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) كان النبي صلىاللهعليهوسلم غير مأذون له في القتال مدة إقامته بمكة ، فلما هاجر
أذن في قتال من يقاتله من المشركين ، ثم أذن في قتال المشركين عامة ، ثم فرض الله
تعالى الجهاد. قال بعض العلماء : إن هذه الآية تقتضي وجوب القتال على الكل فرض عين
لا كفاية. أما الوجوب فمستفاد من لفظ الإيجاب ويكفي العمل به مرة واحدة ، وقوله (كُتِبَ) وأما العموم فلأن قوله (عَلَيْكُمُ) لا يمنع من الوجوب على الموجودين وعلى من سيوجد كما في
قوله (كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الْقِصاصُ) [البقرة : ١٧٨] و (كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الصِّيامُ) [البقرة : ١٨٣] وعن مكحول أنه كان يحلف عند البيت بالله أن الغزو واجب. وعن
ابن عمر وعطاء أن قوله (كُتِبَ) يقتضي الإيجاب ويكفي العمل به مرة واحدة ، وقوله (عَلَيْكُمُ) يقتضي تخصيص هذا الكتاب بالموجودين في ذلك الوقت.
والعموم في (عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) مستفاد من دليل منفصل هو الإجماع. وذلك الدليل معقود
هاهنا بل الإجماع منعقد على أنه من فروض الكفاية إلا أن يدخل المشركون ديار
المسلمين فإنه يتعين الجهاد حينئذ على الكل. (وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) ليس المراد أن المؤمنين ساخطون لأوامر الله تعالى فإن
ذلك ينافي الإسلام ، وإنما المراد كون القتال شاقا على النفس وهكذا شأن سائر التكاليف
، وكيف لا والتكليف إلزام ما فيه كلفة ومشقة وأنها في القتال أكثر لأن الحياة أعظم
ما يميل إليه الطباع فبذلها ليس بهين؟
والجود بالنفس
أقصى غاية الجود
وأيضا كراهتهم
للقتال قبل أن فرض لما فيه من الخوف من كثرة الأعداء وإنارة نوائر الفتن ، فبيّن
تعالى أن الذي تكرهونه من القتال خير لكم من تركه للمصالح التي نذكرها. والكره
الكراهة وضع المصدر موضع الوصف مبالغة ، ويجوز أن يكون بمعنى «مفعول» كالخبز بمعنى
المخبوز أي هو مكروه لكم. وقرىء بالفتح بمعنى المضموم كالضعف والضعف ، ويجوز أن
يكون بمعنى الإكراه على سبيل المجاز كأنهم أكرهوا عليه لشدة