جميع المفسرين من قبله ، ولم يقل أحد : إن فهم فئة من الناس حجة على فهم
الآخرين ، على أن ما فهمه أبو مسلم هو المتبادر من عبارة الآية الكريمة ، وما
قالوه أخذوه من روايات حكموها في الآية ، ولآيات الله الحكم الأعلى ، وعلى ما في
تلك الرواية هي لا تدل.
وأما قوله : إن
ما ذكره أبو مسلم غير مختص بإبراهيم فلا يكون فيه مزية ، فهو مردود بأن هذا المثال
لكيفية إحياء الله للموتى أو لكيفية التكوين ، فيه توضيح لها ، وتحديد لما يصل
إليه علم البشر من أسرار الخليقة ، ولا دليل على أن العلم بذلك كان عاما بين الناس
، فيقال : إنه لا خصوصية فيه لإبراهيم ، على أنه يرد مثل هذا الإيراد على حجة
إبراهيم على الذي آتاه الله الملك ، وحجته على عبدة الكواكب في سورة الأنعام ، فإن
مثل هذه الحجج التي أيد الله تعالى بها إبراهيم ، مما يحتج به الرازي وغيره ، فهل
ينفى ذلك أن تكون هداية من الله لإبراهيم ، وإخراجا من ظلمات الشبه التي كانت
محيطة بأهل زمنه إلى نور الحق ، وقد قال الله تعالى : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا
آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ ، إِنَّ
رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) .
وأما قوله : إن
إجابة إبراهيم إلى ما سأل لا تحصل بقول أبي مسلم ، وإنما تحصل بقول الجمهور ،
فلأمر بعكسه ، وذلك أن إتيان الطيور بعد تقطيعها وتفريق أجزائها ، من الجبال لا
يقتضي رؤية كيفية الإحياء ، إذ ليس فيها إلا رؤية كيفية الإحياء ، إذ ليس فيها إلا
رؤية الطيور ، كما كانت قبل التقطيع ، لأن الإحياء حصل في الجبال البعيدة ، وافرض
أنك رأيت رجلا قتل وقطع إربا إربا ، ثم رأيته حيا فتقول إذن أنك عرفت كيفية إحيائه
، هذا ما يدل عليه قولهم.
__________________