وعلى أي حال ، فإن التوراة تجعل التعداد الذي قام به داود ، بأمر من رب إسرائيل ، سببا من البلايا التي أنزلها رب إسرائيل بإسرائيل ، وإن كنا لا ندري لم يغضب رب إسرائيل من قيام ملك إسرائيل بهذا التعداد ، الذي تقوم به شعوب كثيرة (١) ، حتى يفرض عليه واحدة من بلايا ثلاثة : أقلها وباء يروح ضحيته سبعون ألف رجل ، غير أن الإمام الطبري يروي عن «وهب بن منبه» أن سبب غضب الرب أن داود فعل ذلك دون أمر من ربه ، فعتب الله عليه ذلك وقال : قد علمت أني وعدت إبراهيم أن أبارك فيه وفي ذريته حتى أجعلهم كعدد نجوم السماء ، وأجعلهم لا يحصى عددهم ، فأردت أن تعلم عدد ما قلت ، إنه لا يحصى عددهم ، فاختاروا بين أن أبتليكم بالجوع ثلاث سنين أو أسلط عليكم العد ثلاثة أشهر أو الموت ثلاثة أيام ، فاستشار داود في ذلك بني إسرائيل فقالوا : ما لنا بالجوع ثلاث سنين صبرا ، ولا بالعدو ثلاثة أشهر ، فليس لهم بقية ، فإذا كان لا بد فالموت بيده لا بيد غيره ، فذكر وهب أنه مات منهم في ساعة من نهار ألوف كثيرة ، لا يدري ما عددهم ، فلما رأى داود ذلك شق عليه ما بلغه من كثرة الموت ، فتبتل إلى الله ودعاه فقال : يا رب أنا آكل الحماض (أي ما في جوف الأترجة) وبنو إسرائيل يضرسون ، أنا طلبت ذلك فأمرت به بني إسرائيل ، فما كان من شيء فبى ، واعف عن بني إسرائيل ، فاستجاب الله لهم ورفع عنهم الموت» (٢).
والغريب في هذه الرواية أنها تناقض رواية التوراة في أمور ، منها أن التعداد هنا كان بأمر داود ، مع أن رواية التوراة صريحة في أن الذي أمر
__________________
(١) لعل أول شعوب العالم التي قامت بعمل تعداد عام إنما هم المصريون ، وقد قام به الملك «دن» (وديمو» رابع ملوك الأسرة الأولى الفرعونية ، وذلك قبل عام ٣٠٠٠ ق. م ، ولأول مرة في التاريخ ، وبالمناسبة فإن آخر تعداد تم في مصر كان في نوفمبر عام ١٩٨٦ ، وبلغ سكان مصر أكثر من ٥٠ مليون.
(٢) تاريخ الطبري ١ / ٤٨٥ ، وانظر تاريخ اليعقوبي ١ / ٥٥ ـ ٥٦ ، تاريخ ابن خلدون ١ / ١١١.