التقية في سيرة الصحابة
بعد سبر أدلّة التقيّة الواضحة وسنة يلزمنا ملاحظة جملة كلمات أعلام العامّة ومنقولاتهم من أن التقيّة بصورة شاملة كانت موجودة في سيرة الصحابة وتصريحاتهم المفيدة لذلك ، ومن جملتها :
ما جاء في صحيح البخاري : من قوله : (باب المداراة مع الناس ..) ويُذكر عن أبي الدرداء : ـ إنّا لنكشر (١) في وجوه أقوام ، وإنّ قلوبنا لتلعنهم ..! (٢).
ويستفاد خصوصاً بكلمة (إنّا) المفيدة للجمع ، وكلمة (نكشر) بصيغة المضارع المفيدة للاستمرار : أنّ هذه التقية كانت لجميع الأصحاب ومستمرة فيهم ، وأبو الدرداء ممّن يشار إليه بالبنان من بين الصحابة (٣).
٢ ـ ما في صحيح البخاري أيضاً : بسنده عن أبي هريرة قال : حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وعاءين ، فأمّا أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم (٤).
وقال القسطلاني في شرح كلام أبي هريرة هذا ما نصّه : الوعاء الذي لم يبثثه : الأحاديث التي فيها أسامي أمراء السوء وأحوالهم ، وزمنهم ، ولم يصرّح بهم خوفاً على نفسه.
وهل هذا إلّا التقيّة من أبي هريرة الذي هو مقبول عند العامة (٥).
٣ ـ ما في كنز العمال : عن بجالة ، قال : قلت لعمران بن الحصين : حدّثني عن أبغض
__________________
١. الكشر : الابتسامة التي تظهر معها الأسنان.
٢. صحيح البخاري : ج ٧ ، كتاب الأدب ، ص ١٣٣ ، ب ٨٢.
٣. لاحظ حاله في سير أعلام النبلاء : ج ٢ ، ص ٣٣٥ ـ ٣٥٣ ، برقم ٦٨ ، واسد الغابة : ج ٦ ، ص ٩٧ ، والاستيعاب : ج ٤ ، ص ١٦٤٦ .. وغيرها ، وهو : عويمر بن زيد بن قيس ، ويقال : عويمر بن عامر .. وقيل غير ذلك.
٤. صحيح البخاري : ج ١ ، ص ٤٨ ، كتاب العلم ، باب حفظ العلم ، ح ١٢٠.
٥. إرشاد الساري : ج ١ ، ص ٢١٢.