نشط معاوية في عهد الخليفتين الثاني والثالث ، بامارته على الشام عشرين سنة ، تمكن بها في أجهزة الدولة ، وصانع الناس فيها وأطمعهم به فكانت الخاصة في الشام كلها من أعوانه ، وعظم خطره في الاسلام ، وعرف في سائر الاقطار بكونه من قريش ـ أسرة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وأنه من أصحابه ، حتى كان في هذا أشهر من كثير من السابقين الاولين الذين رضى اللّه عنهم ورضوا عنه ، كأبي ذر وعمار والمقداد وأضرابهم.
هكذا نشأت « الاموية » مرة أخرى ، تغالب الهاشمية باسم الهاشمية في علنها ، وتكيد لها كيدها في سرها ، فتندفع مع انطلاق الزمن تخدع العامة بدهائها ، وتشتري الخاصة بما تغذقه عليهم من أموال الامة ، وبما تؤثرهم به من الوظائف التي ما جعلها اللّه للخونة من أمثالهم ، تستغل مظاهر الفتح واحراز الرضا من الخلفاء.
حتى اذا استتب أمر « الاموية » بدهاء معاوية ، انسلت الى احكام الدين انسلال الشياطين ، تدس فيها دسها ، وتفسد افسادها ، راجعة بالحياة الى جاهلية تبعث الاستهتار والزندقة ، وفق نهج جاهلي ، وخطة نفعية ، ترجوها « الاموية » لاستيفاء منافعها ، وتسخرها لحفظ امتيازاتها.
والناس ـ عامة ـ لا يفطنون لشيء من هذا ، فان القاعدة المعمول بها في الاسلام ـ أعني قولهم : الاسلام يجبُّ ما قبله ـ ألقت على فظائع « الاموية » ستراً حجبها ، ولا سيما بعد أن عفا عنها رسول اللّه وتألفها ، وبعد أن قربها الخلفاء منهم ، واصطفوها بالولايات على المسلمين ، وأعطوها من الصلاحيات ما لم يعطوا غيرها من ولاتهم. فسارت في الشام سيرتها عشرين عاماً ( لا يتناهون عن منكر فعلوه ) ولا ينهون.
وقد كان الخليفة الثاني عظيم المراقبة لعماله ، دقيق المحاسبة لهم ، لا يأخذه في ذلك مانع من الموانع أصلاً : تعتع بخالد بن الوليد ، عامله على « قنسرين » اذ بلغه أنه اعطى الاشعث عشرة آلاف ، فأمر به فعقله « بلال الحبشي » بعمامته ، وأوقفه بين يديه على رجل واحدة ، مكشوف الرأس ،