وكانت الخطة المثلى التي لا بدل عنها للوضع الحربي الراهن. وهكذا انكشف الحسن في رسم خططه الحربية ، عن القائد الملهم الذي يحسن فنون الحرب كما كان يصطلح عليها عصره أفضل احسان. ودلّت خطواته المتدرجة في سبيل مقاومته لعدوه سواء في اختيار الوقت أو في اختيار المواقع أو في تسيير الجيوش ، على مواهب عسكرية ممتازة ، كانت كفاء ما رزق من مواهب في سياسته وفي اخلاصه وفي تضحيته.
ونظر عن يمينه وعن شماله ، وتصفّح ـ ملياً ـ الوجوه التي كانت تدور حوله من زعماء شيعته ومن سراة أهل بيته ، ليختار منهم قائد « مقدمته » التي صمم على ارسالها الى مسكن ، فلم ير في بقية السيوف من كرام العشيرة وخلاصة الانصار ، أكثر اندفاعاً للنصرة ولا اشدَّ تظاهراً بالاخلاص للموقف من ابن عمه ( عبيد اللّه (١) بن عباس بن عبد المطلب ) و ( قيس بن سعد بن عبادة الانصاري ) و ( سعيد بن قيس الهمداني ) ـ رئيس
__________________
١ ـ الارشاد للشيخ المفيد ( ص ١٧٠ ) ، وابن ابي الحديد ( ج ٤ ص ١٤ ) واليعقوبي ( ج ٢ ص ١٩١ ).
وذكر مؤرخ آخر انه ( عبد اللّه بن عباس اخوه ) ولا يصح ذلك ، لان عبد اللّه لم يكن في الكوفة أيام خلافة الحسن ، وانما كان في مكة ، وكتب الى الحسن كتابه الذي يشير فيه بالحرب وتجد صورته في شرح النهج ( ج ٤ ص ٨ ـ ٩ ) ولم يكن عبد اللّه بالذي يختفي ذكره في احداث هذا العهد لو أنه كان موجوداً فيالكوفه. قال الطبري في تاريخه ( ج ٦ ص ٨١ ) : « وفيها ـ يعني في سنة ٤٠ ـ خرج عبد اللّه بن العباس من البصرة ولحق بمكة في قول عامة اهل السير. وقد انكر بعضهم وزعم انه لم يزل في البصرة عاملاً عليها من قبل امير المؤمنين علي عليهالسلام حتى قتل وبعد مقتل علي حتى صالح الحسن ثم خرج حينئذ الى مكة ». أقول : ولا في البصرة والا لما تأخر جيش البصرة عن الحسن أحوج ما كان اليه في المدائن. وأيد ابن الاثير ( ج ٣ : ص ١٦٦ ) ان عبد اللّه بن عباس فارق علياً في حياته.
والمظنون ان اتحاد الاخوين اباً وتشابه اسميهما كتابة هو الذي اثار الخطأ في نسبة القيادة لعبد اللّه. ووهم آخر فذكر قيادة المقدمة لقيس بن سعد. وكان قيس على الطلائع من هذه المقدمة ، كما نص عليه ابن الاثير ، ولعل ذلك هو سبب هذا الوهم فلاحظ.