المدينة المبنية ، فلما قرب دخول الوليد مصر تحول هو إلى مدينته فتحصن بها وخلف للوليد خليفة يكون بين يديه.
فدخل الوليد مصر فتلقاه الناس ، فشكوا إليه عونا ، وما حل بهم منه ، فقال : وأين عون؟ قالوا : فر عنك وتحصن دونك.
فاغتاظ وأمر ان ينفذ إليه جيش كثيف ، فعرفوه كيف بنى مدينته وأسكن فيها معه من السحرة ، وأن امره صعب فما يكون إلا بعد نظر شاف واستعداد كاف ، فكتب إليه يأمره بالقدوم عليه ، ويحذره التخلف عنه ، ويقسم عليه إن لم يفعل وظفر به يبضع لحمه بعد المبالغة في عذابه.
فرد عليه عون جوابا يقول فيه : ما على الملك مني في هذا الموضع؟ ولا أتعرض لبلده ، ولا أعبث في شئ منه لاني عبده ، وأنا في هذه الجهة حام له من كل عدو يقصده من ناحية من نواحي الغرب ، ولا أقدر على المسير إليه لخوفي منه على نفسي ، فليقرني الملك على حالي كأحد عماله ، وأوجه إليه في كل وقت ما يلزمني من خراجه ومن هداياه ، ووجه مع الجواب أموالا جزيلة جليلة وجوهرا نفيسا ، فلما رأى الملك ذلك قنع به ، وكف عنه.
فأقام الوليد بمصر فاستعبد أهلها واستباح حريمهم وأموالهم مائة سنة وعشرين سنة ، فأبغضوه وشتموه.
وأنه ركب في بعض الايام متصيدا ، فألقاه فرسه في هوة من الارض فقتله ، وأراح الله الناس منه.
وكان ابنه الريان ينكر فعله ولا يرضاه منه ، فلما هلك عمل له ناووسا قرب الاهرام ، وقيل انه دفن في أحد الاهرام.
ثم ملك بعده ابنه الريان الملك ، وهو فرعون يوسف عليه السلام ، والقبط تسميه نهراوس ، فجلس على سرير الملك ، وكان عظيم الخلق جميل الوجه ، عاقلا متمكنا من العلم ، فدخل عليه الناس وهنأوه ودعوا له ، فتكلم بجميل ، ومنى الناس ووعدهم بالاحسان ، وأسقط عنهم الخراج ثلاث سنين ، فدعوا له وأثنوا عليه وشكروه.