فرجع حايد حتى انتهى إلى الدابة فركبها ، فلما أهوت الشمس للغروب قذفت به في الموضع الذي ركبها فيه ، فأقبل حتى انتهى إلى عمران فوجده قد مات.
فأقام على قبره ثلاثا ، فأقبل شيخ متشبه بالناس أغر من السجود ، فبكى على عمران ثم أقبل إلى حايد فسلم عليه ، ثم قال له يا حايد ما الذي انتهى إليك من علم النيل؟ فأخبره ، فقال له الرجل هكذا نجده في الكتب.
وكان التفاح قد ظهر في تلك الشجرة من أحسن شئ ، فأغراه الشيخ وقال لحايد ألا تأكل منه شيئا؟ قال معي رزقي قد أعطيته من الجنة ونهيت أن لا أؤثر عليه شيئا من الدنيا ، قال صدقت يا حايد لا ينبغي لشئ من الجنة أن يؤثر عليه شئ من الدنيا ، وهل رأيت في الدنيا مثل هذا التفاح؟ وإنما هذه الشجرة أخرجها الله من الجنة لعمران ليعيش منها فأنبتها له في هذه الارض ، وليست من الدنيا وما تركها إلا لك ، ولو وليت لرفعت ، فلم يزل به حتى أخذ منها تفاحة فبعضه عليها عض الملك على يديه ، وقال له أتعرفه؟ هو الذي أخرج أباك من الجنة ، أما انه لو سلمت بهذا العنقود الذي معك لاكل منه أهل الدنيا فلم ينفد فهو الآن مجهودك ان يبلغك ، فكان مجهوده أن بلغه.
فأقبل حايد حتى بلغ مصر فأخبرهم بهذا الخبر ، ومات رحمه الله ، وتم الخبر الذي أثبته وليس من الام ، ورجع الكلام إلى حيث انقطع] (١).
وقال آخرون تنقسم هذه الانهار إلى اثنين وسبعين قسما ، حذاء اثنين وسبعين لسانا للامم المذكورة.
وقال آخرون إنما هذه الانهار من ثلوج تنزل في أيامها ، وتتكاثق هناك فتحملها حرارة الشمس مرة بلطف ومرة بقوة ، فتسيل إلى هذه الانهار ، فتسقي لما أراد الله جل وتعالى من تدبير خلقه.
ونرجع إلى ذكر الوليد لما بلغ جبل القمر رأى جبلا عظيما ، فأعمل الحيلة إلى أن صعد عليه ليرى ما خلفه فأشرف منه على البحر الاسود الزفتي النتن ، ونظر إلى النيل يجري عليه كالانهار الرقاق ، فأتته من ذلك البحر
__________________
(١) إلى هنا ينتهي الكلام الذي زاده الناسخ في النسخة الاصلية.