ولما انصرف إلى مصر واستقر بها ، اعتل ورأى رؤيا تدل على موته ، فعمل لنفسه ناووسا ونقل إليه من أصنام الكواكب كثيرا ، ومن الذهب والجوهر الملون والتماثيل الغريبة الصنعة والآلات والذخائر ما لا يعلم جودته وكثرته ، فلما هلك دفن فيه وزبر على بابه في الحجارة اسمه وتاريخ الوقت الذي مات فيه ، جعلت عليه طلاسم تمنع منه.
وكان قد عهد إلى ابنه بعده مماليك الملك ، وكان أديبا عاقلا كريما حسن الوجه مجربا مخالفا لابيه في عبادة الكواكب والبقر ، ويقال إنه موحد على دين قبطيم ومصرايم ، فكانت القبط تذمه بذلك.
وكان سببه فيما ذكر ، أنه رأى رؤيا فيما يراه النائم ، كأنه أتاه رجلان لهما أجنحة فاختطفاه واحتملاه إلى الفلك ، وأوقفاه حذاء شيخ أسود أبيض الرأس واللحية ، فقال له هل تعرفني؟ فدخلته منه روعة لحداثته ، وكان سنه نيفا وثلاثين سنة ، فقال له : ما أعرفك ، فقال له أنا بشر ، يعني رجلا ، فقال قد عرفتك ، قال أنت إلا هي ، فقال إنك وإن كنت تدعوني إلها فاني مربوب ملك ، وإلهي وإلهك الذي خلق السموات والارض وخلقني وخلقك ، قال : فأين هو؟ قال : في العلو الاعلى ، [تعالى] لا تلحقه الظنون ولا تراه العيون ، ولا يشبهه شئ ، وهو الذي جعلنا سببا لا قامة العالم الاسفل وتدبيره ، قال : كيف نعمل إذا؟ قال : تضمر في نفسك ربوبيته وتخلص وحدانيته تعترف بأزليته ، ثم أمر الرجلين فانزلاه إلى موضعه ، فاستيقظ مذعورا وهو على فراشه.
فدعا رأس الكهنة فقص عليه رؤياه ، فقال له : عاهدتك أن لا تتخذ الاصنام آلهة فانها لا تضر ولا تنفع ، قال فمن أعبد؟ قال : الله الذي خلق السموات والارض وخلق جميع ما فيها من أموال وغيرها.