رابعا ـ القسطاس المستقيم : جعل الغزالي
المنطق فيه مستمدّا من منهج القرآن ودليل آياته. فاستخرج القياس من القرآن ، واستعمل
مصطلحات جديدة تفهيما للمسلم وصهرا للمنطق في بوتقة إسلاميّة.
خامسا ـ المستصفى من علم الأصول : وفيه
مقدّمة منطقيّة عرضت فيها قواعد المنطق وأبوابه ، بما يتشابه مع ما كان في المحكّ.
وشكّل ذلك مدخلا لعلم الأصول الذي شرحه الإمام في بقيّة الكتاب ، متناولا الجوانب
الأصوليّة كافة ، مركّزا على المعايير العقليّة ، وفيها تفصيل وتجديد وتأثّر بالمنطق
العقليّ.
خرجت كتب الغزالي تباعا خلال حقب حياته
المختلفة. وتطوّرت من نقل للمنطق إلى تحوير له ، وجعله أداة إسلاميّة ، يستعان بها
في الفقه والاجتهاد. وقد بدأ الغزالي ناقلا منطق أرسطو عبر ابن سينا ، وتدرّج إلى
موفّق بين المنطق والعلوم الإسلاميّة ، حتّى بلغ شأوه ، فجعل المنطق علما إسلاميّا
: منهجا ومصطلحا ، وطبعه بسمات العقليّة العربيّة والإسلاميّة.
بحيث أطلقنا على هذه العمليّة اسم
محاولة تطعيم المنطق بأصول الفقه.
كتب الغزالي مقاصد الفلاسفة في أثناء
تلقّيه العلم ، وفي طور التدريب في بغداد. وتهيّا للردّ على الفلاسفة نتيجة خطرهم
على عقول الناس وإزاغتهم للعقيدة. لم يميّز في المقاصد بين الحقّ والباطل ، إنّما
قصد فيه التفهيم
، وعرض النظريّات تمهيدا لدحضها في كتاب آخر.
وجد الإمام نفسه محتاجا إلى منهج عقليّ ومعيار
فكريّ يدعم فيه الأصول الفقهيّة والتفكير الإيمانيّ ، بعد أن تفهّم المنطق وسرده
سردا عامّا في مقاصد الفلاسفة. فكان له ما شاء ، إذ عزل المنطق عن الأبحاث
الفلسفيّة وأقرّه علما معياريّا ممزوجا ببعض الخصوصيّات الإسلاميّة ، جامعا
__________________